عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود ثم بعث الله الرسل تدعوا العباد إلى الإيمان به « فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ » ومنهم من لم يهده الله.
______________________________________________________
لم يؤمن به فلفقد استحقاقه تلك الهداية كذا قيل.
وأقول : الظاهر أن كلام السائل استفهام ، وحاصل الجواب أن الله تعالى خلق العباد على الفطرة قابلة للإيمان ، وأتم على جميعهم الحجة بإرسال الرسل وإقامة الحجج ، فليس لأحد منهم حجة على الله في القيامة ولم يكن أحد منهم مجبورا على الكفر لا بحسب الخلقة ولا من تقصير في الهداية ، وإقامة الحجة ، لكن بعضهم استحق الهدايات الخاصة منه تعالى ، فصارت مؤيدة لإيمانهم وبعضهم لم يستحق ذلك لسوء اختياره ، فمنعهم تلك الألطاف فكفروا ومع ذلك لم يكونوا مجبورين ولا مجبولين على الكفر ، وهذا معنى الأمر بين الأمرين كما عرفت مرارا.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : فمنهم من هدى الله ، منهم من اهتدى بتلك الهداية العامة ، ومنهم من لم يهده الله أي لم يهتد بتلك الهداية ، وهذا أوفق بمسلك المتكلمين ، والأول أنسب بسائر الأخبار والله أعلم بحقيقة الأسرار.
ثم اعلم أنه اختلف أصحابنا في أنه هل يمكن زوال الإيمان بعد تحققه حقيقة أم لا ، قال الشهيد الثاني قدسسره في رسالة حقائق الإيمان : المؤمن بعد اتصافه بالإيمان الحقيقي في نفس الأمر هل يمكن أن يكفر أم لا؟ ولا خلاف أنه لا يمكن ما دام الوصف ، وإنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره ، فذهب أكثر الأصوليين إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه ، وذلك لأن زوال الضد بطريان ضده أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال أمر ممكن ، لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال.
لا يقال : نمنع عدم لزوم المحال من فرض وقوعه وذلك لأن زوال الضد