______________________________________________________
بطريان الآخر يلزم منه الترجيح من غير مرجح ، بل ترجيح المرجوح لأن الضد الموجود راجح الوجود لوجوده ، والمعدوم مرجوح فكيف يترجح على الراجح وكلاهما محال؟ وكذا الحكم في الأمثال.
لأنا نقول : المرجح موجود وهو الفاعل المختار القادر على الإيجاد والإعدام ، حتى في الحقائق الوجودية فكيف بالحقائق الاعتبارية ولا ريب أن الإيمان والكفر حقيقتان اعتباريتان للشارع ، فاعتبر الاتصاف بالإيمان عند حصول عقائد مخصوصة ، وانتفائه عند انتفائها ، وكلاهما مقدوران للمعتقد ، وظاهر كثير من الآيات الكريمة دال عليه ، كقوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً » (١) وقوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ » (٢).
وذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال الإيمان الحقيقي بضد أو غيره ، ونسب ذلك إلى السيد المرتضى رضياللهعنه مستدلا بأن ثواب الإيمان دائم والإحباط والموافاة عنده باطلان.
أما الإحباط فلاستلزام أن يكون الجامع بين الإحسان والإساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما ، أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة وبمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما ، أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة وبمنزلة من لم يسيء مع العكس ، واللازم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله.
وأما الموافاة فليست عندنا شرطا في استحقاق الثواب بالإيمان لأن وجوه الأفعال وشروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن يكون منفصلة عنها ولا متأخرة عن وقت حدوثها ، والموافاة منفصلة عن وقت حدوث الإيمان ، فلا يكون
__________________
(١) سورة النساء : ١٣٧.
(٢) كذا في النسخ والآية في سورة آل عمران (١٠٠) هكذا : « ان تتبعوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ ... ».