______________________________________________________
على غير محرم لم يؤاخذ بها فإن أتبعها نظرة ثانية كان مؤاخذا بها ، لأنه لا محالة مختار.
وكذا خواطر القلب تجري هذا المجرى ، بل القلب أولى بمؤاخذته لأنه الأصل قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم التقوى هيهنا وأشار إلى القلب ، وقال الله عز وجل : « لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ » (١) والتقوى في القلب ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك.
حتى أنا نقول : إذا حكم قلب الفتى بإيجاب شيء وكان مخطئا صار مثابا على فعله ، بل من ظن أنه متطهر فعليه أن يصلي وإن صلى ثم ذكر كان له ثواب بفعله ، فإن ترك ثم تذكر كان معاقبا ، ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته لم يعص بوطئها وإن كانت أجنبية ، وإن ظن أنها أجنبية عصى بوطئها ، وإن كانت امرأته ، كل ذلك نظر إلى القلب دون الجوارح.
ثم قال : الوسواس ثلاثة أصناف الصنف الأول أن يكون من جهة التلبيس للحق ، فإن الشيطان قد يلبس فيقول للإنسان : لا تترك التنعم واللذات ، فإن العمر طويل والصبر عن الشهوات طول العمر ألمه عظيم ، فعند هذا إذا ذكر العبد عظيم حق الله تعالى وعظيم ثوابه وعقابه وقال : الصبر عن الشهوات شديد ولكن الصبر على النار أشد منه ولا بد من أحدهما ، فإذا ذكر العبد وعد الله ووعيده وجدد إيمانه ويقينه خنس الشيطان وهرب ، إذ لا يستطيع أن يقول : ليس النار أشد من الصبر على المعاصي ، ولا يمكنه أن يقول : المعصية لا تقضي إلى النار ، فإن إيمانه بكتاب الله يدفعه عن ذلك ، فينقطع وسواسه.
وكذلك يوسوس إليه بالعجب في علمه وعمله ، فيفكر العبد أن معرفته وقدرته وقلبه وأعضاءه التي بها علمه وعمله كل ذلك من خلق الله فيخنس الشيطان ، فهذا
__________________
(١) سورة الحجّ : ٣٧.