______________________________________________________
وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ، أي بين تجاذب هذين الحزبين وهو الغالب على القلوب أعني التقلب والانتقال من حزب إلى حزب ، أما الثبات على الدوام مع حزب الملائكة أو حزب الشيطان فنادر من الجانبين ، وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن العلم إلى عالم الشهادة بواسطة خزائن القلب ، فإنه من خزائن الملكوت وهي إذا ظهرت كانت علامات تعرف أرباب القلوب سابق القضاء ، فمن خلق للجنة يسرت له الطاعة وأسبابها ، ومن خلق للنار يسرت له أسباب المعصية وسلط عليه أقران السوء وألقي في قلبه حكم الشيطان.
فإنه بأنواع الحكم يغره الحمقى كقوله : الله تعالى رحيم فلا تبال ، وإن الناس كلهم ما يخافون الله فلا تخالفهم فإن العمر طويل فاصبر حتى تتوب غدا يعدهم بالتوبة ويمنيهم بالمغفرة فيهلكهم ، وبهذه الحيل وما يجري مجراها يوسع قلبه لقبول الغرور ويضيقه عن قبول الحق ، إلى آخر ما ذكره مما يوافق مذهب الأشاعرة ، ولسنا نقول به والله يحق الحق وهو يهدي إلى السبيل.
وأما ما ذكره من المؤاخذة على حكم القلب إذا كان اختياريا ، وعلى الهم والعزم إذا كان الصارف غير خوف الله تعالى فهما مخالفان للأخبار المعتبرة فإنها تدل على عدم المؤاخذة مع ترك الفعل مطلقا ، وما استدل به على الأخير فهي أخبار عامية لا تعارض الأخبار المعتبرة ، ويمكن حمل الخبر الأول على أن كتابة الحسنة موقوفة على أن يكون الترك لله وأخبارنا إنما تدل على عدم كتابة السيئة وليس فيها كتابة الحسنة فلا تنافي ، والخبر الثاني غير صريح في المقصود ، والتمثيل الذي ذكره في محل المنع ، والخبر الثالث يمكن أن يكون المراد به الإرادة مع سل السيف والتوجه إلى القاتل والحملة عليه ، بل الإعانة على نفسه ، وسيأتي بعض القول في أصل المطلب آنفا إن شاء الله تعالى.