______________________________________________________
فتميل النفس إلى نصح العقل ، فيحمل الشيطان حملة على العقل ويقوي داعية الهوى ويقول ما هذا التحرج البارد ، ولم تمتنع عن هواك فتؤذى نفسك ، وهل ترى أحدا من أهل عصرك يخالف هواه أو يترك غرضه؟ أفتترك ملاذ الدنيا لهم فيتمتعون فيها ، وتحجر على نفسك فتبقى محروما شقيا متعوبا يضحك عليك أهل الزمان ، أتريد أن يزيد منصبك على فلان وفلان وقد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يمتنعوا ، أما ترى العالم الفلاني ليس يحترز عن فعل ذلك ولو كان شرا لامتنع عنه فتميل النفس إلى الشيطان وتنقلب إليه فيحمل الملك حملة على الشيطان فيقول هل هلك إلا من اتبع لذة الحال ونسي العاقبة أفتقنع بلذة يسيرة وتترك لذة الجنة ونعيمها أبد الآباد؟ أم تستثقل ألم الصبر عن شهوة ولا تستثقل ألم النار؟ أتغتر بغفلة الناس عن أنفسهم واتباعهم هواهم ومساعدتهم الشيطان؟ مع أن عذاب النار لا يخفف عنك بمعصية غيرك؟ أرأيت لو كنت في صيف ووقف الناس كلهم في الشمس وكان لك بيت بارد أكنت تساعد الناس أم تطلب لنفسك الخلاص فكيف تخالف الناس خوفا من حر الشمس ولا تخالفهم خوفا من حر النار.
فعند ذلك تميل النفس إلى قول الملك ، فلا يزال القلب يتردد بين الجندين متجاذبا بين الحزبين إلى أن يغلب على القلب من هو أولى به فإن كانت الصفات التي في القلب الغالب عليها الصفات الشيطانية التي ذكرناها غلبه الشيطان ومال القلب إلى جنسه من أحزاب الشياطين ، معرضا عن حزب الله تعالى وأوليائه ومساعدا لحزب الشيطان وأوليائه ، وجرى على جوارحه بسابق القدر ما هو سبب بعده عن الله تعالى.
وإن كان الغالب على القلب الصفات الملكية لم يصغ القلب إلى إغواء الشيطان وتحريضه إياه على العاجلة وتهوينه أمر الآجلة ، بل مال إلى حزب الله تعالى وظهرت الطاعة بموجب ما سبق من القضاء على جوارحه.