______________________________________________________
كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، ولو سلم العموم فإنما يعفى عنه إذا بقي زمانا عزم على فعله في ذلك الزمان ولم يفعل ، وفي الكافر ليس كذلك لأنه لم يبق الزمان الذي عزم على الفعل فيه.
فإن قيل : لعله كان لو بقي في أزمنة الأبد عاد ولم يفعل؟
قلنا : يعلم الله خلاف ذلك منهم ، لقوله سبحانه : « وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ » (١) وقد يجاب بأنه لا منافاة بينهما ، إذ دل أحدهما على عدم المؤاخذة بنية المعصية إذا لم يفعلها ، ودل الآخر على المؤاخذة بنية المعصية إذا فعلها ، فإن المنوي كالكفر واستمراره مثلا موجود في الخارج ، فهذه النية ليست داخلة في النية بالسيئة التي لم يعملها ، واعترض عليه بأن المعصية ليست سببا للخلود على ما يفهم من الحديث المذكور ، لكونها في زمان منقطع محصور هو مدة العمر ، كذلك نيتها لأنها تنقطع أيضا عند انقطاع العمر لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت ، ومشاهدة أحوال الآخرة فينبغي أن يكون ناويها في النار بقدر كونها في الدنيا لا مخلدا.
فأجيب أولا : بأن هذه النية موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض ، فوجب التسليم والقبول ، وثانيا : بأن صاحبها في هذه الدنيا التي هي دار التكليف لم يفعل شيئا يوجب نجاته من النار ، وندامته بعد الموت لا تنفع لانقطاع زمان التكليف ، وثالثا : أن سبب الخلود ليس ذات المعصية ونيتها من حيث هي بل هو المعصية ونيتها على فرض البقاء أبدا ، ولا ريب في أنها معصية أبدية موجبة للخلود أبدا انتهى.
وأقول : لا يخفى ما في الجميع من الوهن والضعف ، وقد مر بعض القول منا فيه في باب النية ، وقال الشهيد رفع الله درجته في القواعد : لا يؤثر نية المعصية
__________________
(١) سورة الأنعام : ٢٨.