مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » (١)
______________________________________________________
الكلام مع المحبوب ، وعرض الافتقار لديه ، كما قال خليل الرحمن وابنه إسماعيل عليهماالسلام : « رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا » مع أنهما لا يفعلان غير المقبول ، وثانيا أنه قد صرح بعض المفسرين بأن الآية دلت على أن الخطأ والنسيان سببان للإثم والعقوبة ، ولا يمتنع عقلا المؤاخذة بهما إذ الذنب كالسم ، فكما أن السم يؤدي إلى الهلاك وإن تناوله خطأ كذلك الذنب ، ولكنه عز وجل وعد بالتجاوز عنه رحمة وتفضلا وهو المراد من الرفع ، فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة لها وامتدادا بها.
وقال بعضهم معنى الآية : ربنا لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى خطاء أو نسيان من تقصير ، وقلة مبالاة ، فإن الخطأ والنسيان أغلب ما يكونان من عدم الاعتناء بالشيء وهذا وإن كان رافعا للإيراد المذكور لكن فيه شيء لا يخفى على المتأمل.
والأصر الذنب والعقوبة وأصله من الضيق والحبس ، يقال أصره يأصره إذا حبسه وضيق عليه ، وقيل : المراد به الحمل الثقيل الذي يحبس صاحبه في مكانه ، والتكاليف الشاقة مثل ما كلف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وخمسين صلاة في اليوم والليلة ، وصرف ربع المال للزكاة أو ما أصابهم من الشدائد والمحن.
وقوله : « رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ » تأكيد لما قبله ، وطلب للإعفاء من التكاليف الشاقة التي كلف بها الأمم السابقة ، لا طلب للإعفاء عن تكليف ما لا يتعلق به قدرة البشر أصلا ، فلا دلالة فيه على جواز التكليف بما لا يطاق ، الذي أنكره العدلية وجوزه الأشاعرة باعتبار أنه لو لم يجز لم يطلبوا الإعفاء عنه.
وقوله : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، معناه إلا من أكره على قبيح مثل كلمة الكفر وغيرها « وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » غير متغير عن اعتقاد الحق ، وفيه دلالة على أنه لا إثم على المكره.
__________________
(١) سورة النحل : ١٩.