صاحب شريعتك ما ذكرت أم لا ، فإن لم يكن مراده ذلك فالويل لم حيث اجترأت على الله وعليه وحملت كلامه على ما لم يرده وافتريت عليه ، وإن كان مراده ذلك فله غرض في التعبير بهذه العبارة ومصلحة في عدم التصريح بالمراد ، لقصور أفهام عامة الخلق عن فهم الحقائق ، فالويل لك أيضا حيث نقضت غرضه وأبطلت مصلحته وهتكت سره (١).
وأقول : هذا الكلام متين وإن كان قائله على ما نقل من الكافرين ، لان عقول العباد قاصرة عن فهم الاسباب والمسببات ، وكيفية نزول الانكال والعقوبات ، فإذا سمعوا المنجم يخبر بوقوع الكسوف أوالخسوف في الساعة الفلانية بمقتضى حركات الافلاك لم يخافوا عند ذلك ، ولم يفزعوا إلى ربهم ، ولم يرتدعوا به عن معصيته ، ولم يعدوه من آثار غضب الله تعالى ، لانهم لا يعلمون أنه يمكن أن يكون الصانع القديم والقادر الحكيم لما خلق العالم ، وقدر الحركات ، وسبب الاسباب والمسببات ، وعلم بعلمه الكامل أحوالهم وافعالهم في كل عصر وزمان ، وكل دهر وأوان ، وعلم ما يستحقون من التحذير والتنذير قدر حركات الافلاك على وجه يطابق الخسوف والكسوف و غيرهما من الآيات بقدر ما يستحقونه بحسب أحوالهم من الانذارات والعقوبات وهذا باب دقيق يعجز عنه أفهام أكثر الخلق. وبالجملة الحديث وإن كان خبرا واحدا غير نقي السند لكن لايحسن الجرأة على رده ، وينبغي التسليم له في الجملة وإن صعب على العقل فهمه ، فإنه سبيل أرباب التسليم ، الثابتين على الصراط المستقيم.
قوله عليه السلام « والارض مسيرة خمسمائة عام » لعل المراد أنه إذا أراد إنسان ان يدورجميع الارض ويطلع على جميع بقاعه الظاهرة والغائرة لايكون إلافي خمسمائة سنة ، وكذا المعمور وغير المعمور إذ لو كان المراد المسير على عظيمة محيطة بالارض يكون ذلك في قليل من السنين إن كانت مساحتهم المذكورة في كتبهم حقة لانهم قالوا مساحة
____________________
(١) كلام الهندى لايخلو عن مناقشة ، لان قصور افهام عامة الخلق لايوجب كتمان الحقائق حتى عن الخواص والمستعدين ، نعم يوجب كتمانها عن القاصرين فقط.