العوام أو النساء والصبيان لايميزون بينها وبين علم الغيب والاخبار به ، فكان تعلم تلك الاحكام والحكم بها سببا لضلال كثير من الخلق ، وموهنا لاعتقاداتهم في المعجزات ، إذا الاخبار عن الكائنات منها ، وكذا في عظمة بارئهم ويشككهم في عموم صدق قوله تعالى « قل لا يعلم من في السماوات ومن في الارض الغيب إلا الله (١) » « وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو (٢) » وقوله « إن الله عنده علم الساعة (٣) » الآية فالمنجم إذا حكم لنفسه بأنه يصيب كذا فقد ادعى أن نفسه تعلم ما تكسب غدا وبأي أرض تموت ، وذلك عين التكذيب للقرآن ، وكأن هذين الوجهين هما المقتضيان لتحريم الكهانة والسحر والعزائم ونحوها ، وأما مطابقة لسان الشريعة للعقل في تكذيب هذه الاحكام فبيانها أن أهل النظر إما متلكمون فإما معتزلة أو أشعرية ، أما المعتزلة فاعتمادهم في تكذيب المنجم على أحد الامرين أحدهما أن الشريعة كذبته وعندهم أن كل حكم شرعي فيشتمل على وجه عقلي وإن لم يعلم عين ذلك الوجه ، والثاني مناقشة في ضبطه لاسباب ما أخبر عنه من كون أو فساد ، وأما الاشعرية فهم وإن قالوا لامؤثر في الوجود إلا الله تعالى وزعم بعضهم أنهم خلصوا بذلك من إسناد التأثيرات إلى الكواكب ، إلا أنه لا مانع على مذهبهم أن يجعل الله تعالى اتصال نجم بنجم أو حركته علامة على كون كائن أو فساده ، وذلك مما لا يبطل على المنجم قاعدة ، فيرجعون أيضا إلى بيان عدم إحاطته بأسباب كون ما أخبر عنه ومناقشته في ذلك ، وأما الحكماء فاعلم أنه قد ثبت في اصولهم أن كل كائن فاسد في هذا العالم فلا بد له من أسباب أربعة : فاعلي ومادي ، وصوري ، وغائي ، أما السبب الفاعلي القريب فالحركات السماوية والذي هو أسبق منها فالمحرك لها إلى أن ينتهي إلى الجود الالهي المعطي لكل قابل ما يستحقه ، وأما سببه المادي فهو القابل لصورته ، وتنتهي القوابل إلى
____________________
(١) النمل : ٦٥.
(٢) الانعام : ٥٩.
(٣) لقمان : ٣٤.