لهذا البغل قصة ، إني رأيت البارحة في النوم كأني راكبه حتى وافيت رأس الجسر من الجانب الايسر ، فوقفت فإذا صائح يصيح من الجانب الآخر « شعر ».
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا |
|
أنيس ولم يسمر بمكة سامر |
قال : فضربت يدي على قربوس السرج ، وقلت « شعر » :
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا |
|
صروف الليالي والجدود العواثر |
ثم انتبهت فلجأت إلى أخذ الطالع ، فأخذته وضربت الامر ظهر البطن فوقفت على أنه لابد من انقضاء مدتنا وزوال أمرنا. قال فما كان يكاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم بخوان مغطاة وفيها رأس جعفر بن يحيى ، و قال له : يقول : لك أميرالمؤمنين : كيف رأيت نقمة الله في الفاجر؟ فقال له يحيى : قل له : يا أميرالمؤمنين! أرى أنك أفسدت عليه دنياه. وأفسد عليك آخرتك.
ثم قال : وممن رأيت ذكره في علماء النجوم وإن لم أعلم مذهبه إبراهيم بن السندي بن شاهك ، وكان منجما طبيبا متكلما. ومن العلماء بالنجوم عضد الدولة ابن بويه ، وكان منسوبا إلى التشيع ، ولعله كان يرى مذهب الزيدية. ومنهم الشيخ المعظم محمود بن علي الحمصي ره كما حكينا عنه ، ومنهم جابر بن حبان صاحب الصادق عليه السلام وذكره ابن النديم في رجال الشيعة ، وممن ذكر بعلم النجوم من الوزراء أبوأيوب سليمان بن مخلد المورياني ، وممن ظهر منه العمل على النجوم البرامكة ، ذكر عبدالرحمن بن المبارك أن جعفر لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه وجمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختاروا له وقتا من الليل ، فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي ينزله إلى قصره ، والطرق خالية والناس ساكنون ، فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلا يقول : « شعر »
يدبر بالنجوم وليس يدري |
|
ورب النجم يفعل ما يريد |
فاستوحش ووقف ودعا بالرجل فقال له : أعد علي ما قلت ، فأعاده فقال : ما أردت بهذا؟ قال : والله ما أردت به معنى من المعاني ، لكنه عرض لي وجاء على لساني فأمر له بدنانير.