تحقيق وتوفيق : اعلم أن ملوك الدنيا لما كان ظهورهم وإجراء أحكامهم على رعيتهم إنما يكون عند صعودهم على كرسي الملك وعروجهم على عرش السلطنة ومنهما تظهر آثارهم وتتبين أسرارهم ، والله سبحانه لتقدسه عن المكان لايوصف بمحل ولا مقر وليس له عرش ولا كرسي يستقر عليهما ، بل يطلقان على أشياء من مخلوقاته أو صفاته الكمالية على وجه المناسبة ، فالكرسي والعرش يطلقان على معان : أحدها جسمان عظيمان خلقهما الله تعالى فوق سبع سماوات ، وظاهر أكثر الاخبار أن العرش أرفع وأعظم من الكرسي ، ويلوح من بعضها العكس ، والحكماء يزعمون أن الكرسي هو الفلك الثامن ، والعرش هو الفلك التاسع ، وظواهر الاخبار تدل على خلاف ذلك من كونهما مربعين ذاتي قوائم وأركان ، وربما يؤولان بالجهات والحدود والصفات التي بها استحقا التعظيم والتكريم ، ولا حاجة لنا إلى هذه التكلفات ، وإنما سميا بالاسمين لبروز أحكامه وتقديراته من عندهما ، وإحاطة الكروبيين والمقربين وأرواح النبيين والاوصياء بهما ، وعروج من قربه من جنابه إليهما ، كما أن أوامر الملوك وأحكامهم وآثار سلطنتهم وعظمتهم تبدو منهما ، و تطيف مقربوا جنابهم وخواص ملكهم بهما ، وأيضا لما كانا أعظم مخلوقاته الجسمانية وفيهما من الانوار العجيبة والآثار الغريبة ما ليس في غيرهما من الاجسام فدلالتهما على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته سبحانه أكثر من سائر الاجسام ، فلذا خصا بهذين الاسمين من بينهما ، وحملتهما في الدنيا جماعة من الملائكة كما عرفت ، وفي الآخرة إما الملائكة أو اولوالعزم من الانبياء مع صفوة الاوصياء عليهم السلام كما عرفت ، و
____________________
خزائنه » وقال « هو الباب الباطن الذى ويجد فيه علم الكيف والكون. وهما « يعنى العرش والكرسى » غيبان وهما في العلم مقرونان فبالنظر إلى هذه الخواص لايبعد استظهار كونه من الموجودات النورانية العالية والجواهر المجردة العقلية ، وكونه رابعها بحسب المرتبة الوجودية ، مشتملا على اربع حيثيات مختلفة يبقى اشكال وهو انه ربما يظهر من بعض الروايات كونه جسما عظيما فوق السماء السابعة فلو كان المراد غير ذلك لم لم يصرح به؟ والجواب قوله عليه السلام في رواية حنان المتقدمة « بمثل صرف العلماء » والله العالم.