ملكة سبأ « وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم » (١) يريد : ولها ملك عظيم فعرش الله تعالى هو ملكه ، واستواؤه على العرش هو استيلاؤه على الملك والعرب تصف الاستيلاء بالاستواء ، قال :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
يريد به : قد استولى على العراق ، فأما العرش الذى تحمله الملائكة فهو بعض الملك ، وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة ، وتعبد الملائكة بحمله و تعظيمه ، كما خلق سبحانه بيتا في الارض وأمر البشر بقصده وزيارته والحج إليه وتعظيمه ، وقد جاء الحديث : إن الله تعالى خلق بيتا تحت العرش سماه « البيت المعمور » تحجه الملائكة في كل عام ، وخلق في السماء الرابعة بيتا سماه « الضراح » وتعبد الملائكة بحجه والتعظيم له والطواف حوله ، وخلق البيت الحرام في الارض فجعله تحت الضراح وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : لو القي حجر من العرش لوقع على ظهر بيت المعمور ولو القي من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام ولم يخلق الله عرشا لنفسه يستوطنه ، تعالى الله عن ذلك ، لكنه خلق عرشا أضافه إلى نفسه تكرمة له وإعظاما ، وتعبد الملائكة بحمله كما خلق بيتا في الارض ولم يخلقه لنفسه ولا يسكنه ، تعالى الله عن ذلك ، لكنه خلقه لخلقه ، وأضافه إلى نفسه إكراما له وإعظاما ، وتعبد الخلق بزيارته والحج إليه ، فأما الوصف للعلم بالعرش فهو في مجاز اللغة دون حقيقتها ، ولا وجه لتأول قوله تعالى « الرحمن على العرش استوى » بمعنى أنه احتوى على العلم ، وإنما الوجه في ذلك ما قدمناه ، والاحاديث التي رويت في صفة الملائكة الحاملين للعرش أحاديث آحاد ، وروايات أفراد ، لا يجوز القطع بها ولا العمل عليها ، والوجه الوقوف عندها ، والقطع على أن العرش في الاصل هو الملك ، والعرش المحمول جزء من الملك تعبدالله بحمله الملائكة على ما قدمناه.
____________________
(١) النمل : ٢٣.