تعنتا! يا ويلك سل عما يعنيك قال : فوالله إن ما سألتك عنه ليعنيني! قال : إنها شرج السماء ، ومنها فتحت السماء بماء منهمر زمن الغرق على قوم نوح عليه السلام قال : فكم بين السماء والارض؟ قال : مد البصر ودعوة بذكر الله فيسمع لانقول غير ذلك.
بيان : « لانقول غير ذلك » أي لانخبر الخلق بمقدار ذلك إذ لا مصلحة لهم في ذلك (١) ، فيدل على أن التفكر في أمثال ذلك ممنوع منه ، وليس كما تزعمه الفلاسفة أنها كمال النفس ولابد للانسان في تحصيل السعادات الابدية من النظر فيها.
١٤ ـ الغارات : بإسناده عن ابن نباته ، قال : سئل أميرالمؤمنين عليه السلام : كم بين السماء والارض؟ قال : مد البصر ودعوة المظلوم. وسئل : كم بين المشرق والمغرب؟ قال : يوم طراد الشمس وسئل عن المجرة فقال أبواب السماء فتحها الله على قوم نوح ثم أغلقها فلم يفتحها. وسئل عن القوس فقال : أمان الارض كلها من الغرق إذا رأوا ذلك في السماء « الخبر ».
بيان : « يوم طراد » أي تام ، أو قصير ، أو يوم يجري فيه الشمس. قال في القاموس : الطريد من الايام الطويل كالطراد ، والطريدان : الليل والنهار ، وككتاب رمح قصير ، ومطاردة الاقران حمل بعضهم على بعض وهم فرسان الطراد ، واطرد الامرتبع بعضه بعضا وجرى (٢) « انتهى » واعلم أن الحكماء اختلفوا في المجرة فقيل : احتراق حدث من الشمس في تلك الدائرة في بعض الازمان السالفة. واورد عليه أنه مخالف لقواعدهم التي منها عدم كون الشمس موصوفة بالحرارة
____________________
(١) ولعل عدم الاخبار لعدم استعداد الناس لفهمه في ذلك الزمان ، أو لكون السائل في مقام التعنت والاعياء ، ولو كان التفكر في امثال هذه المعانى ممنوعة والعلم بها خاليا عن المصلحة لما حاموا حومها ولنهوا اصحابنهم وخواصهم أن يطوفوا طورها ، كيف وقد تكاثرت الروايات عنهم بأخبار السماوات وكيفياتها وما بينها إلى غير ذلك ، مضافا إلى ما في فهم هذه المعانى من درك عظمة الله تعالى وحكمه وسعة رحمته ومعرفة صفاته وأسمائه ، وسيأتى في ما ينقل عن اقوال اجلاء العلماء في النجوم القول باستحباب تعلم الهيئة لذلك.
(٢) القاموس : ج ١ ، ص ٣١٠.