بذلك انتفى تأثيرها كما أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم لكن بشرط عدم تعلق إرادته القاهرة بخلافه ولذا ورد في الأخبار أنه لا يحدث شيء في السماء والأرض إلا بإذنه سبحانه.
قوله تعالى « وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ » قال الطبرسي ره قيل معناه سيرنا الجبال مع داود حيث سار فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به وكذلك تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه ما يجوز على العباد وقيل إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير يسبح بالغداة والعشي معجزة له انتهى (١).
وقال الرازي قال أصحاب المعاني يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » وتخصيص داود عليهالسلام بذلك إنما كان
__________________
جميع الآيات والمعجزات خرق للنظام المتعارف الذي نتعاهده معاشر الناس في حياتنا ونعرف فيه أسبابا وشرائط وجودية وعدمية ومعدات لكن ليس خرقا للنظام العلى والمعلولى رأسا ، فجعل النار بردا مثلا ليس إبطالا للنظام السببى والمسببى الحاكم على العالم بحذافيره ، بل إعمال لأسباب وشرائط لا نتعاهدها ويكفى له إيجاد مانع من تأثير النار في جسمه عليهالسلام أو حول بدنه أو تسخير النار لايجاد البرودة كما تسخر قوة الكهرباء اليوم له ، كل ذلك لا من طريق متعارف عند الناس بل بسبب إلهى وطريق غيبى ومجرى نفسى غير مشهود للعامة ، والله على كل شيء قدير.
فان قيل : مرجع الأخير إلى أن الله تعالى أراد أن تتبرد النار فبردت ، وهذه إبطال لسببية النار للاحراق ـ لعدم إمكان سببية شيء واحد لضدين ومتقابلين ـ أو التزام بحصول معلول مادى من غير حصول علته المسانخة له قلنا : الاحتراق عبارة عن تبدل الصورة تبدلا خاصا والنار معدة له لا مفيضة للصورة الحادثة ، ولا يمتنع تأثيرها في ضده كما يشاهد في الكهرباء أضف الى ذلك حديث تعدد الجهات. وأما استناد الحوادث إلى إرادة الله تعالى من غير واسطة فمخالف للسنة الإلهية التي لن تجد لها تبديلا ولن تجد لها تحويلا ، ومستلزم للطفرة واختلال نظام العلل والمعاليل. والحاصل أن إرادة الله تعالى فوق العلل المادية وفي طولها لا في رتبتها وهو القاهر فوق عباده.
(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٥٨.