فالسجود محمول على معنى واحد وليس من استعمال المشترك في معنييه كما عرفت سابقا وقال الرازي الرؤية هنا بمعنى العلم وفي السجود وجوه أحدها قال الزجاج أجود الوجوه في سجود هذه الأمور أنها تسجد مطيعة لله تعالى وهو كقوله « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » الآية « أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ » والمعنى أن هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع الأعراض التي يحدثها الله تعالى فيها من غير امتناع البتة أشبهت الطاعة والانقياد وهو السجود وأما قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » ففيه وجوه أحدها أن السجود بالمعنى الذي ذكرناه وإن كان عاما في حق الكل إلا أن بعضهم تمرد وتكبر وترك السجود في الظاهر فهذا الشخص وإن كان ساجدا بذاته لكنه متمرد بظاهره أما المؤمن فإنه ساجد بذاته وبظاهره فلأجل هذا الفرق حصل التخصيص بالذكر وثانيها أن نقطع قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » عما قبله ثم فيه ثلاثة أوجه الأول أن نقول تقدير الآية ولله يسجد من في السماوات والأرض ويسجد له كثير من الناس فيكون السجود الأول بمعنى الانقياد والثاني بمعنى الطاعة والعبادة لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه جميعا الثاني أن يكون قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » مبتدأ خبره محذوف وهو مثاب لأن خبر مقابله يدل عليه وهو قوله « حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » والثالث أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف كثير على كثير ثم يخبر عنهم « حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » وثالثها من يجوز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعا يقول إن المراد بالسجود في حق الأحياء العقلاء السجود وفي حق الجمادات الانقياد فإن قيل قوله « مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ » لفظ العموم فيدخل فيه الناس فلم قال مرة أخرى « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » قلنا لو اقتصر على ما تقدم لأوهم أن كل الناس يسجدون فبين أن كثيرا منهم يسجدون طوعا دون كثير منهم فإنه يمتنع عن ذلك.
القول الثاني في تفسير السجود أن كل ما سوى الله تعالى فهو ممكن لذاته والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه إلا عند الانتهاء إلى الواجب لذاته كما قال