« سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » لما كان ماء البحر قلما ينتفع به في الزراعات لا جرم ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار والعيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع والنبات وأيضا ماء البحر لا يصلح للشرب والصالح لهذا مياه الأنهار.
« وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ » أي جعلها بحيث يتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص « لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا » هو السمك ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم فيسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله ولإظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق « حِلْيَةً تَلْبَسُونَها » كاللؤلؤ والمرجان « وَتَرَى الْفُلْكَ » أي السفن « مَواخِرَ فِيهِ » أي جواري فيه يشقه بخرومها من المخر وهو شق الماء وقيل صوت جري الفلك « وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » أي من سعة رزقه بركوبها للتجارة « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » أي تعرفون نعم الله فتقومون بحقها.
« وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » قال البيضاوي خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج دابته إذا خلاها « هذا عَذْبٌ فُراتٌ » قامع للعطش من فرط عذوبته « وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ » بليغ الملاحة (١) « وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً » حاجزا من قدرته « وَحِجْراً مَحْجُوراً » وتنافرا بليغا كأن كلا منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوذ عليه وقيل حدا محدودا وذلك كدجلة يدخل البحر فيشقه فيجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمهما (٢) وقيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل وبالبحر الملح البحر الكبير وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية (٣) انتهى ويقال إن نهر آمل تدخل بحر الخزر ويبقى على عذوبته ولا يختلط بالمالح ويأخذون منه الماء العذب في وسط البحر فيمكن على تقدير صحته أن يكون داخلا تحت الآية أيضا.
__________________
(١) في المصدر : الملوحة.
(٢) طعمها ( خ ).
(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ١٦٧.