الأول : أن صعود الأجزاء الأرضية إنما يكون لشدة تسخنها ولا شك أن ذلك التسخن عرضي لأن الأرض باردة يابسة بالطبع فإذا كانت تلك الأجزاء الأرضية متصغرة جدا كانت سريعة الانفعال فإذا تصاعدت ووصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء امتنع بقاء الحرارة فيها بل تبرده جدا وإذا بردت امتنع بلوغها في الصعود إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك فبطل ما ذكروه.
الثاني : هب أن تلك الأجزاء الدخانية صعدت إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك لكنها لما رجعت وجب أن تنزل على الاستقامة لأن الأرض جسم ثقيل والثقيل إنما يتحرك بالاستقامة والرياح ليست كذلك فإنها تتحرك يمنة ويسرة.
الثالث : أن حركة تلك الأجزاء الأرضية النازلة لا تكون حركة قاهرة فإن الرياح إذا أحضرت الغبار الكثير ثم عاد ذلك الغبار ونزل على السطوح لم يحس أحد بنزولها وترى هذه الرياح تقلع الأشجار وتهدم الجبال وتموج البحار.
الرابع : أنه لو كان الأمر على ما قالوه لكانت الرياح كلما كانت أشد وجب أن يكون حصول الأجزاء الغبارية الأرضية أكثر لكنه ليس الأمر كذلك لأن الرياح قد يعظم عصوفها وهبوبها في وجه البحر مع أن الحس يشهد بأنه ليس في ذلك الهواء المتحرك العاصف شيء من الغبار والكدرة فبطل ما قالوه.
وقال المنجمون إن قوى الكواكب هي التي تحرك هذه الرياح وتوجب هبوبها وذلك أيضا بعيد لأن الموجب لهبوب الرياح إن كان طبيعة الكواكب وجب دوام الرياح بدوام تلك الطبيعة وإن كان الموجب هو طبيعة الكواكب بشرط حصوله في البرج المعين والدرجة المعينة وجب أن يتحرك هواء كل العالم وليس كذلك وأيضا قد بينا أن الأجسام متماثلة فاختصاص الكوكب المعين والبرج المعين والطبيعة التي لأجلها اقتضت ذلك الأثر الخاص لا بد وأن يكون بتخصيص الفاعل المختار فثبت أن محرك الرياح هو الله سبحانه وثبت بالدليل العقلي أيضا صحة قوله « وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ ».