في قرارها صخور صلبة وأحجار صلدة فإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح شعاعاته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك راجعة فسخنت تلك المياه وحمت ولطفت وطلبت مكانا أوسع وارتفع إلى فوق ودفع بعضها بعضا إلى فوق وتموجت إلى سواحلها وفاضت على سطوحها ورجعت مياه تلك الأنهار التي كانت تنصب إليها إلى خلف راجعة فلا يزال ذلك دأبها ما دام القمر مرتفعا إلى وتد سمائه فإذا انتهى إلى هناك وأخذ ينحط سكن عند ذلك غليان تلك المياه وبردت وانضمت تلك الأجزاء وغلظت فرجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها فلا يزال ذلك دأبها إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي من تلك البحار ثم يبتدئ المد على عادته وهو في الأفق الشرقي فلا يزال ذلك دأبه حتى يبلغ القمر إلى وتد الأرض فينتهي المد من الرأس ثم إذا زال القمر من وتد الأرض أخذ المد راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي من الرأس فإن قيل لم لا يكون المد والجزر عند طلوعات الشمس وإشرافاتها على سطح هذه البحار فقد بينا علل ذلك في رسالة العلل والمعلولات انتهى.
وقال المسعودي في مروج الذهب المد هو مضي الماء بسجيته وسنن جريه والجزر هو رجوع الماء على ضد سنن مضيه وانعكاس ما يمضي عليه في نهجه وهما يكونان في البحر الحبشي (١) الذي هو الصيني والهندي وبحر البصرة وفارس وذلك أن البحار على ثلاثة أصناف منها ما يأتي فيه الجزر والمد ويظهر ظهورا بينا ومنها ما لا يتبين فيه الجزر والمد ويكون خفيا مستترا ومنها ما لا يجزر ولا يمد وقد تنازع الناس في علتهما فمنهم من ذهب إلى أن علة ذلك القمر لأنه مجانس للماء وهو يسخنه فيبسط وشبهوا ذلك بالنار إذا سخنت ما في القدر وأغلته وإن الماء يكون فيها على قدر النصف أو الثلثين فإذا غلى الماء انبسط في القدر وارتفع وتدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ومن شرط
__________________
(١) في المصدر : وانكشاف ما مضى عليه في هيجه وذلك كبحر الحبش ...