فالفرات إلى آخر الخبر واختلفوا في تأويله قال الطيبي في شرح المشكاة في شرح هذا الخبر سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون وهما نهران عظيمان جدا وخص الأربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها كأنها من أنهار الجنة أو يراد أنها أربعة أنهار هي أصول أنهار الجنة سماها بأسامي الأنهار العظام من أعذب أنهار الدنيا وأفيدها على التشبيه فإن ما في الدنيا من المنافع فنموذات لما في الآخرة وكذا مضارها وقال القاضي معنى كونها من أنهار الجنة أن الإيمان يعم بلادها وأن شاربيها صائرة إليها والأصح أنه على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة وفي معالم التنزيل أنزلها الله تعالى من الجنة واستودعها الجبال لقوله تعالى « فَأَسْكَنَّاهُ » أقول المشبه في الوجه الأول أنهار الدنيا ووجه الشبه العذوبة والهضم والبركة وفي الثاني أنهار الجنة ووجهه الشهرة والفائدة والعذوبة وفي الثالث وجهه المجاورة والانتفاع انتهى.
وأقول ظاهر الخبر مع التتمة التي في الخصال اشتراك الاسم وإنما سميت بأسماء أنهار الجنة لفضلها وبركتها وكثرة الانتفاع بها ويحتمل أن يكون المعنى أن أصل هذه الأنهار ومادتها من الجنة فلما صارت في الدنيا انقلبت ماء ولا ينافي ذلك معلومية منابعها إذ يمكن أن يكون أول حدوثها بسبب ماء الجنة أو يصب فيها بحيث لا نعلم أو يكون المراد بالجنة جنة الدنيا كما مر في كتاب المعاد وتجري من تحت الأرض إلى تلك المنابع ثم يظهر منها ويؤيد تلك الوجوه في الجملة ما رواه الكليني بسند كالموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : يدفق في الفرات في كل يوم دفقات من الجنة (١). وبسند آخر رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : نهركم هذا يعني ماء الفرات يصب فيه ميزابان من ميازيب الجنة (٢). وعن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : إن ملكا يهبط من السماء في كل ليلة معه ثلاثة مثاقيل مسك (٣) من مسك الجنة فيطرحها في الفرات وما من نهر في شرق الأرض ولا غربها أعظم بركة
__________________
(١ و ٢) الكافي : ٦ ، ص ٣٨٨.
(٣) في المصدر : مسكا.