السمك من قعر البحر واستنزلوا الطير من أوج الهواء وعجزوا عن اتخاذ الذهب والفضة والسبب فيه أن معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة والقدرة على اتخاذهما تبطل هذه الحكمة فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدودا ومن هاهنا اشتهر في الألسنة من طلب المال بالكيمياء أفلس.
ومنها ما يوجد على الجبال والأراضي من الأشجار الصالحة للبناء والسقف والحطب وما اشتد إليه الحاجة في الخبز والطبخ ولعل ما تركناه من الفوائد أكثر مما عددناه فإذا تأمل العاقل في هذه الغرائب والعجائب اعترف بمدبر حكيم ومقدر عليم إن كان ممن يسمع ويبصر ويعتبر.
وأما منافع السماء فإن الله تعالى زينها بمصابيح « وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ » وبالقمر « وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً » وبالشمس « وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً » وبالعرش « رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » وبالكرسي « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » وباللوح « فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ » وبالقلم « ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ » وسماها سقفا محفوظا وسبعا طباقا وسبعا شدادا وذكر أن خلقها مشتمل على حكم بليغة وغايات صحيحة « رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا » وجعلها مصعد الأعمال ومهبط الأنوار وقبلة الدعاء ومحل الضياء والصفاء وجعل لونها أنقع الألوان وهو المستنير وشكلها أفضل الأشكال وهو المستدير ونجومها رجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وقيض للشمس طلوعا وسهل معه التقلب لقضاء الأوطار في الأطراف وغروبا يصلح معه الهدء والقرار في الأكناف لتحصيل الراحة وانبعاث القوة الهاضمة وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء وأيضا لو لا الطلوع لانجمدت المياه وغلبت البرودة والكثافة وأفضت إلى جمود الحرارة الغريزية وانكسار سورتها ولو لا الغروب لحميت الأرض حتى يحترق كل من عليها من حيوان ونبات فهي بمنزلة السراج يوضع لأهل بيت بمقدار حاجتهم ثم يرفع عنهم ليستقروا ويستريحوا فصار النور والظلمة مع تضادهما متظاهرين على ما فيه صلاح قطان الأرض.