وقال آخرون بل الأرض أفضل لأنه تعالى وصف بقاعا من الأرض بالبركة « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً » و « فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها » يعني أرض الشام ووصف جملة الأرض بالبركة « وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ »
فإن قيل أي بركة في المفاوز المهلكة قلت إنها مساكن الوحوش ومراعيها ومساكن الناس إذا احتاجوا إليها ومساكن خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى فلهذه البركات قال « فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ » تشريفا لهم لأنهم هم المنتفعون بها كما قال « هُدىً لِلْمُتَّقِينَ » وخلق الأنبياء منها « مِنْها خَلَقْناكُمْ » وأودعهم فيها « وَفِيها نُعِيدُكُمْ » وأكرم نبيه المصطفى فجعل الأرض كلها له مسجدا وطهورا.
ومعنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته ومشيته أنه جعل الماء سببا في خروجها ومادة لها كالنطفة في خلق الولد وهو قادر على إنشاء الأشياء بلا أسباب ومواد كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد ولكن له في هذا التدريج والتسبيب حكما يتبصر بها من يستبصر ويتفطن لها من يعتبر.
ومن في « مِنَ الثَّمَراتِ » للتبعيض كما أنه قصد بتنكير « السَّماءَ » و « رِزْقاً » معنى البعضية فكأنه قيل وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم ويجوز أن يكون للبيان كقولك أنفقت من الدراهم ألفا والند المثل المناوي « وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » حال من ضمير « فَلا تَجْعَلُوا » ومفعول « تَعْلَمُونَ » مطروح أي حالكم أنكم من أهل العلم والنظر وأصابه الرأي فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات منفرد بوجود الذات متعال عن مشابهة المخلوقات أو منوي وهو أنها لا تماثله ولا تقدر على مثل ما يفعله.
« وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ » قال الرازي أي جعل الأرض (١) بذلك المقدار المعين الحاصل لا أزيد ولا أنقص والدليل عليه هو أن كون الأرض أزيد مقدارا مما هو الآن أو أنقص منه أمر جائز فاختصاصه بذلك المقدار المعين لا بد وأن يكون
__________________
(١) في المصدر : مختصة بذلك ...