فسافا كان البناء بناه من لبنات كثيرة موضوع بعضها على بعض ويبعد حصول مثل هذا التركيب من السبب الذي ذكروه.
الثالث أن أوج الشمس الآن قريب من أول السرطان فعلى هذا من الوقت الذي انتقل أوج الشمس إلى الجانب الشمالي مضى قريبا من تسعة آلاف سنة وبهذا التقدير إن الجبال كانت في هذه المدة الطويلة في التفتت فوجب أن لا يبقى من الأحجار شيء لكن ليس الأمر كذلك فعلمنا أن السبب الذي ذكروه ضعيف.
والوجه الثاني من الاستدلال بأحوال الجبال على وجود الصانع ذي الجلال ما يحصل فيها من معادن الفلزات السبعة ومواضع الجواهر النفيسة وقد يحصل منها معادن الزاجات والأملاح وقد تحصل معادن النفط والقير والكبريت فكون الأرض واحدة في الطبيعة وكون الجبل واحدا في الطبيعة (١) وكون تأثير الشمس واحدا في الكل يدل دلالة ظاهرة على أن الكل بتقدير قادر قاهر متعال عن مشابهة الممكنات والمحدثات.
والوجه الثالث أن بسببها تتولد الأنهار على وجه الأرض وذلك لأن الحجر جسم صلب فإذا تصاعدت الأبخرة من قعر الأرض ووصلت إلى الجبل احتبست هناك ولا يزال يتكامل الأمر (٢) فيحصل تحت الجبال مياه كثيرة ثم إنها لكثرتها وقوتها تنقب (٣) وتخرج وتسيل على وجه الأرض فمنفعة الجبال في تولد الأنهار هو من هذا الوجه ولهذا السبب في أكثر الأمر أينما ذكر الله تعالى الجبال قرن بها ذكر الأنهار مثل هذه الآية ومثل قوله « وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ».
ثم استدل سبحانه بعجائب خلقة النبات بقوله « وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » إلخ فإن الحبة إذا وقعت (٤) في أرض وأثرت فيها نداوة الأرض ربت وكبرت وبسبب
__________________
(١) في المصدر : الطبع.
(٢) في المصدر : فلا تزال تتكامل فيحصل ...
(٣) فيه : تثقب.
(٤) فيه : وضعت.