يؤكل وعن غيره الأكل المهيأ للأكل (١).
و « اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » مبتدأ وخبر « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ » امتن على عباده بتسخير الفلك لأن انتفاع العباد يتوقف (٢) عليها لأنه تعالى خص كل طرف من أطراف الأرض بنوع آخر من النعمة حتى أن نعمة هذا الطرف إذا نقلت إلى الجانب الآخر من الأرض أو بالعكس كثر الربح في التجارات ولا يمكن هذا إلا بسفن البر وهي الجمال أو بسفن البحر وهي الفلك ونسبة التسخير إلى نفسه لأنه سبحانه خلق الأشجار الصلبة التي منها يمكن تركيب السفن ولو لا خلقه الحديد وسائر الآلات ولو لا تعريفه العباد كيف يتخذونه ولو لا أنه تعالى خلق الماء على صفة السلاسة (٣) التي باعتبارها يصح جري السفينة ولو لا خلقه تعالى الرياح وخلق الحركات القوية فيها ولو لا أنه وسع الأنهار وجعل لها من العمق ما يجوز جري السفن فيها لما وقع الانتفاع بالسفن فصار لأجل أنه تعالى هو الخالق لهذه الأحوال وهو المدبر لهذه الأمور والمسخر لها حسنت إضافته إليه وأضاف التسخير إلى أمره لأن الملك العظيم قل ما يوصف أنه فعل وإنما يقال فيه إنه أمر بكذا تعظيما لشأنه.
« وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » لما كان ماء البحر قل ما ينتفع في الزراعات لعمقه وملوحته ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار والعيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع والنباتات وأيضا ماء البحر لا يصلح للشرب « وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ » قيل أي بلسان حالكم بحسب استعداداتكم وقابلياتكم « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها » قال الرازي اعلم أن الإنسان إذا أراد أن يعرف أن الوقوف على أقسام نعم الله ممتنع فعليه أن يتأمل في شيء واحد ليعرف عجز نفسه ونحن نذكر منه مثالين :
المثال الأول أن الأطباء ذكروا أن الأعصاب قسمان منها دماغية ومنها
__________________
(١) مفاتيح الغيب : ج ١٩ ، ص ٣ ـ ٨ ( ملخصا ونقلا بالمعنى ).
(٢) في المصدر : انما يكمل بوجود الفلك ...
(٣) في المصدر السيلان.