لم لا يجوز أن يكون المأمور والمنهي جملة هذا البدن لا شيء من أجزائه وأبعاضه قلنا توجيه التكليف إلى الجملة إنما يصح لو كانت الجملة فاهمة عالمة فنقول لو كانت الجملة عالمة فإما أن يقوم بمجموع البدن علم واحد أو يقوم بكل واحد من أجزاء البدن علم على حده والأول يقتضي قيام العرض الواحد بالمحال الكثيرة وهو محال والثاني يقتضي أن يكون كل واحد من أجزاء البدن عالما فاهما على سبيل الاستقلال وقد بينا أن العلم الضروري حاصل بأن الجزء المعين من البدن ليس عالما فاهما مدركا بالاستقلال فسقط هذا السؤال.
السابع عشر : الإنسان يجب أن يكون عالما والعلم لا يحصل إلا في القلب فيلزم أن يكون الإنسان عبارة عن الشيء الموجود في القلب وإذا ثبت هذا بطل القول بأن الإنسان عبارة عن هذا الهيكل وهذه الجثة إنما قلنا إن الإنسان يجب أن يكون عالما لأنه فاعل مختار والفاعل المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد إلى تكوينه وهما مشروطان بالعلم لأن ما لا يكون متصورا امتنع القصد إلى تكوينه فثبت أن الإنسان يجب أن يكون عالما بالأشياء وإنما قلنا إن العلم لا يوجد إلا في القلب للبرهان والقرآن أما البرهان فلأنا نجد العلم الضروري بأنا نجد علومنا من ناحية القلب وأما القرآن فآيات نحو قوله تعالى « لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها » (١) وقوله « كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ » (٢) وقوله « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » (٣) وإذا ثبت أن الإنسان يجب أن يكون عالما وثبت أن العلم ليس إلا في القلب ثبت أن الإنسان شيء في القلب أو شيء له تعلق بالقلب وعلى التقديرين فإنه بطل قول من يقول إن الإنسان هو هذا الجسد وهذا الهيكل.
وأما البحث الثاني وهو بيان أن الإنسان غير محسوس هو أن حقيقة الإنسان شيء مغاير للسطح واللون وكل ما هو مرئي فهو إما السطح وإما اللون وهما مقدمتان
__________________
(١) الأعراف : ١٧٨.
(٢) المجادلة : ٢٢.
(٣) الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤.