سعادات ولا كمالات البتة.
الحجة الخامسة أن الإنسان من حيث يأكل ويشرب ويجامع ويؤذي يشاركه سائر الحيوانات وإنما يمتاز عنها بالإنسانية وهي مانعة من تكميل تلك الأحوال وموجبة لنقصانها وتقليلها فلو كانت هذه الأحوال عين السعادة لكان الإنسان من حيث إنه إنسان ناقصا شقيا خسيسا ولما حكمت البديهة بفساد هذا التالي ثبت فساد المقدم.
الحجة السادسة : أن العلم الضروري حاصل بأن بهجة الملائكة وسعادتهم أكمل وأشرف من بهجة الحمار وسعادته ومن بهجة الديدان والذباب وسائر الحيوانات والحشرات ثم لا نزاع أن الملائكة ليس لها هذه اللذات فلو كانت السعادة القصوى ليست إلا هذه اللذات لزم كون هذه الحيوانات الخسيسة أعلى حالا وأكمل درجة من الملائكة المقربين ولما كان هذا التالي باطلا كان المقدم مثله بل هاهنا ما هو أعلى وأقوى مما ذكرناه وهو أنه لا نسبة لكمال واجب الوجود وجلاله وشرفه وعزته إلى أحوال غيره مع أن هذه اللذات الحسية ممتنعة عليه فثبت أن الكمال والشرف قد يحصلان سوى هذه اللذات الجسمية فإن قالوا ذلك الكمال لأجل حصول الإلهية وذلك في حق الخلق محال فنقول لا نزاع أن حصول الإلهية في حق الخلق محال إلا أنه قال عليهالسلام تخلقوا بأخلاق الله والفلاسفة قالوا الفلسفة عبارة عن التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية فيجب عليه أن يعرف تفسير هذا التخلق وهذا التشبه ومعلوم أنه لا معنى لهما إلا تقليل الحاجات وإضافة الخيرات والحسنات لا بالاستكثار من اللذات والشهوات.
الحجة السابعة : أن هؤلاء الذين حكموا بأن سعادة الإنسان ليس إلا في تحصيل هذه اللذات البدنية والراحات الجسمانية إذا رأوا إنسانا أعرض عن طلبها مثل أن يكون مواظبا للصوم مكتفيا بما جاءت الأرض عظم اعتقادهم فيه وزعموا أنه ليس من جنس الإنسان بل من زمرة الملائكة ويعدون أنفسهم بالنسبة إليه أشقياء أراذل وإذا رأوا إنسانا مستغرق الفكر والهمة في طلب الأكل والشرب والوقاع مصروف الهمة إلى تحصيل أسباب هذه الأحوال معرضا عن العلم والزهد والعبادة قضوا بالبهيمية