أثرها في النفس فهو تأثيرها في إخراج النفس عن القوة إلى الفعل في التعقلات والإدراكات وكلما كانت الأفكار أكثر كان حصول هذه الأحوال أكمل وذلك غاية كمالها ونهاية شرفها وجلالتها وأما أثرها في البدن فهو أنها توجب استيلاء اليبس على البدن واستيلاء الذبول عليه وهذه الحالة لو استمرت لانتهت إلى الماليخوليا وموت البدن (١) فثبت بما ذكرنا أن هذه الأفكار توجب حياة النفس وشرفها وتوجب نقصان البدن وموته فلو كانت النفس هي البدن لصار الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد سببا لكماله ونقصانه معا ولحياته وموته معا وإنه محال.
والثالث : أنا شاهدنا أنه ربما كان بدن الإنسان ضعيفا نحيفا فإذا لاح نور من الأنوار القدسية وتجلى له سر من أسرار عالم الغيب حصل لذلك الإنسان جرأة عظيمة وسلطنة قوية ولم يعبأ بحضور أكبر السلاطين ولم يقم له وزنا ولو لا أن النفس شيء سوى البدن والنفس إنما تحيا وتبقى بغير ما به يقوى البدن ويحيا لما كان الأمر كذلك.
والرابع : أن أصحاب الرياضات والمجاهدات كلما أمعنوا في قهر القوى البدنية وتجويع الجسد قويت قواهم الروحانية وأشرقت أسرارهم بالمعارف الإلهية وكلما أمعن الإنسان في الأكل والشرب وقضاء الشهوات الجسدانية صار كالبهيمة وبقي محروما عن آثار النظر والعقل والفهم والمعرفة (٢) ولو لا أن النفس غير البدن لما كان الأمر كذلك.
والخامس : أنا نرى النفس تفعل أفاعيلها بآلات بدنية فإنها تبصر بالعين وتسمع بالأذن وتأخذ باليد وتمشي بالرجل أما إذا آل الأمر إلى التعقل والإدراك فإنها مستقلة بذاتها في هذا الفعل من غير إعانة شيء من الآلات ولذلك فإن الإنسان يمكنه أن لا يبصر شيئا إذا غمض عينه وأن لا يسمع شيئا إذا سد أذنيه ولا يمكنه البتة أن يزيل عن قلبه العلم بما كان عالما به فعلمنا أن النفس
__________________
(١) في المصدر : وسوق الموت.
(٢) في المصدر : عن آثار النطق والعقل والمعرفة.