المعجزات والكرامات عن الأنبياء والأولياء قالوا قد عرفت أن انطباع الصور في الحس المشترك على وجهين أحدهما أن الحواس الظاهرة إذا أخذت صور المحسوسات الموجودة في الخارج وأدتها إلى الحس المشترك فحينئذ تنطبع في الحس المشترك وتصير مشاهدة له والثاني أن القوة المتخيلة التي من شأنها تركيب الصور بعضها بالبعض إذا ركبت صورة فإن تلك الصورة قد تنطبع في الحس المشترك ومتى حصل الانطباع وجب أن تصير مشاهدة وذلك لأن في القسم الأول إنما صارت تلك الصورة مشاهدة لأجل أن تلك الصور انطبعت في الحس المشترك لا لأجل أنها وردت عليه من الخارج وإذا كان كذلك وجب أيضا في الصور المنحدرة عليه من جانب المتخيلة أن تصير مشاهدة ومثال الحس المشترك المرآة فإن كل صورة تنطبع فيها من أي جانب كان صارت مشاهدة فكذلك الصور المنطبعة في الحس المشترك إذا انطبعت فيه من أي جانب كان وجب أن تصير محسوسة.
إذا عرفت هذا فنقول الصور التي تشاهدها الأبرار والكهنة والنائمون والممرورون ليست موجودة في الخارج فإنها لو كانت موجودة في الخارج لوجب أن يراها كل من كان سليم الحس بناء على أنه متى كانت الحاسة سليمة وكان الشيء الحاضر بحيث تصح رؤيته ولم يحصل القرب القريب والبعد البعيد واللطافة والصغر وحصلت المقابلة فعند حضور هذه الشرائط يكون الإدراك والإبصار واجبا إذ لو جاز أن لا يحصل الإدراك عند حضور هذه الشرائط لجاز أن يصير عندنا جبال عظيمة وأصوات هائلة ولا نراها ولا نسمعها ومعلوم أن تجويزه يوجب الجهالات العظيمة فثبت بهذا أن تلك الصور غير موجودة في الخارج فيجب الجزم بأن ورودها على الحس المشترك إنما كان من الداخل وهو أن القوة المتخيلة ركبت تلك الصور فانحدرت إلى الحس المشترك فصارت مرئية وقد كان الواجب أن تحصل هذه الحاصلة أبدا إلا أن العائق عنه أمران الأول أن الحس المشترك إذا حصلت فيه الصور المأخوذة من الخارج لم يتسع للصور التي يركبها المتخيلة فحينئذ تصير الصور التي يركبها المتخيلة بحيث لا يمكن انطباعها في الحس المشترك والثاني أن القوة