المفكرة ولهذا السبب فإن الذي يميل مزاجه إلى الحرارة يرى في النوم النيران والحريق والدخان ومن مال مزاجه إلى البرودة يرى الثلوج ومن مال مزاجه إلى الرطوبة يرى الأمطار ومن مال مزاجه إلى اليبوسة يرى التراب والألوان المظلمة فهذه الأنواع الثلاثة لا عبرة بها البتة بل هي من قبيل أضغاث الأحلام.
وأما الرؤيا الصادقة فالكلام في ذكر سببها متفرع على مقدمتين إحداهما أن جميع الأمور الكائنة في هذا العالم الأسفل مما كان ومما سيكون ومما هو كائن موجود في علم البارئ تعالى وعلم الملائكة العقلية والنفوس السماوية والثانية أن النفس الناطقة من شأنها أن تتصل بتلك المبادئ وتنتقش فيها الصور المنتقشة في تلك المبادئ وعدم حصول هذا المعنى ليس لأجل البخل من تلك المبادئ أو لأجل أن النفس الناطقة غير قابلة لتلك الصور بل لأجل أن استغراق النفس في تدبير البدن صار مانعا من ذلك الاتصال العام.
إذا عرفت هذا فنقول النفس إذا حصل لها أدنى فراغ من تدبير البدن اتصلت بطباعها بتلك المبادئ فينطبع فيها بعض تلك الصور الحاضرة عند تلك المبادئ وهو الصور التي هي أليق بتلك النفس ومعلوم أن أليق الأحوال بها ما يتعلق بأحوال ذلك الإنسان وبأصحابه وبأهل بلده وإقليمه وأما إن كان ذلك الإنسان منجذب الهمة إلى تحصيل علوم المعقولات لاحت له منها أشياء ومن كانت همته مصالح الناس رآها ثم إذا انطبعت تلك الصور في جوهر النفس الناطقة أخذت المتخيلة التي من طباعها محاكاة الأمور في حكاية تلك الصور المنطبعة في النفس بصور جزئية يناسبها (١) ثم إن تلك الصور تنطبع في الحس المشترك فتصير مشاهدة فهذا هو سبب الرؤيا في المنام ثم إن تلك الصور التي ركبتها المتخيلة لأجل تلك المعاني قد تكون شديدة المناسبة لتلك المعاني فتكون هذه الرؤيا غنية عن التعبير وقد لا تكون كذلك إلا أنها أيضا مناسبة لتلك المعاني من بعض الوجوه وهاهنا تحتاج هذه المنامات إلى التعبير وفائدة التعبير التحليل بالعكس يعني أن يرجع المعبر من
__________________
(١) تناسبها ( ظ ).