منها اختلاف الأقدار بسبب تفاوت الأبعاد والسبب فيه على كلا المذهبين اختلاف زاوية مركز الجليدية انفراجا وحدة فإنه إذا قابل المبصر البصر توهمنا خطين مستقيمين واصلين بين مركز الجليدية وطرفي المبصر فيحصل زاوية البتة عند مركز الجليدية فكلما كانت تلك الزاوية أعظم يرى المرئي أصغر ولا يخفى على المتدرب أن قرب المرئي سبب لعظم تلك الزاوية وبعده سبب لصغرها أو بزيادة القرب يزيد عظمها وبزيادة البعد يزيد صغرها فالخطوط التي هي أضلاع الزوايا موجودة عند الرياضيين موهومة عند المشاءين وكل من أصحاب المذهبين جعل هذا مؤيدا لمذهبه وله وجه وإن كان بمذهب المشاءين أنسب.
وقال بعض المحققين : قد قرر الحكماء عن آخرهم أن تفاوت أقدار المبصرات بتفاوت أقدار الزاوية المذكورة ويتبع تفاوت إحداهما تفاوت الأخرى على نسبتها من غير انثلام في اتساق النسبة وبنوا عليه علم المناظر وغيره من معظمات المسائل وفيه شبهة وهو أنا إذا قربنا جسما صغيرا طوله مثل طول البصر أو أزيد بقليل كالإصبع من البصر بحيث يصل إلى رءوس شعر الجفن فيرى بزاوية عظيمة جدا ويحجب الجبل العظيم جدا فزاويته أعظم من زاوية الجبل فيجب أن يرى أعظم مع أن الأمر بخلافه ضرورة والجواب أنه في الرؤية أعظم إلا أنه يعلم بحكم العقل أنه صغير جدا ورئي عظيما بسبب كمال قربه انتهى.
ومنها رؤية المرئيات في المرايا والأجسام الصقيلة واختلف في سببه وتفرق آراؤهم إلى مذاهب أربعة الأول مذهب أصحاب الشعاع حيث ذهبوا إلى أنه بانعكاس الخطوط الشعاعية وتفصيله أنا نعلم تجربة أن الشعاع ينعكس من الجسم الصقيل كما ينعكس شعاع الشمس من الماء إلى الجدار ومن المرآة إلى مقابلها فإذا وقع شعاع البصر على المرآة مثلا ينعكس منها إلى جسم آخر وضعه من المرآة وضع المرآة من البصر على وجه تتساوى زاويتا الشعاع والانعكاس فإذا قابلت المرآة وجه المبصر وكان سهم المخروط الشعاعي عمودا على سطح المرآة وجب انعكاس ذلك الخط العمود من سمته بعينه إلى مركز الجليدية إذ لو انعكس إلى غيره لزم تساوي زاوية قائمة مع زاوية