لا يحضر عندها إلا نوع مدركاتها فلا بد من قوة يحضر عندها جميع الأنواع ليصح الحكم بينها.
الثالث : أن المبرسم أي من به المرض المسمى بذات الجنب إذا قوي مرضه وتعطلت حواسه الظاهرة بغلبة المرض يرى أشياء لا تحقق لها في الخارج على سبيل المشاهدة دون التخيل فإنه قد يرى سباعا وأشخاصا حاضرة عنده ولا يراها أحد ممن سلم حواسه وليست هذه الصور مرتسمة في بصره إذ لا يرتسم فيه إلا ما هو موجود مقابل إياه ولما كان إدراكها كإدراك ما يرتسم من الخارج بلا فرق عند المدرك دل ذلك أيضا على أن الإبصار إنما هو بالحس المشترك ولما كان الإبصار بارتسام الصورة في الحس المشترك لم يتميز الحال عند المدرك بين أن يرد عليه الصورة من الخارج كما هو الغالب وبين أن ترد عليه من داخل كما في المبرسم فإنه لما اشتغل نفسه بمزاولة المرض بحيث تعطلت حواسه الظاهرة استولت المتخيلة ونقشت في لوح الحس المشترك صورا كانت مخزونة في الخيال وصورا ركبتها من الصور المخزونة على طريق انتقاشها فيه من الخارج ولما لم يكن لها شعور بانتقاشها فيه من داخل لم يفرق بينها وبين الصور المنتقشة فيه من خارج فيحسب الأشياء التي هذه صورها موجودة في الخارج حاضرة عنده كما في الصحة بلا فرق.
واعترض على الأول بأنه يجوز أن يكون اتصال الارتسام في الباصرة بأن يرتسم المقابل الآخر قبل أن يزول المرتسم قبله بسرعة لحوق الثاني وقوة ارتسام الأول فيكونان معا قيل وهذا مكابرة للقطع بأنه لا ارتسام في البصر عند زوال المقابلة.
وعلى الثاني بأنه لا يلزم من عدم كون الارتسام في الباصرة كونه في قوة أخرى جسمانية لجواز أن يكون في النفس ألا ترى أنا نحكم بالكلي على الجزئي كحكمنا بأن زيدا إنسان مع القطع بأن مدرك الكلي هو النفس ويجوز أن يكون حضورهما عند النفس وحكمها بينهما لارتسامهما في آلتين كما أن الحكم بين الكلي والجزئي تكون لارتسام الكلي في النفس والجزئي في الآلة.