ثم قال بعد إيراد بعض الدلائل والأجوبة من الجانبين فالحق أنها جوهر لطيف نوراني مدرك للجزئيات والكليات حاصل في البدن متصرف فيه غني عن الاغتذاء بريء عن التحلل والنماء ولم يبعد أن يبقى مثل هذا الجوهر بعد فناء البدن ويلتذ بما يلائمه ويتألم بما يباينه هذا تحقيق ما تحقق عندي من حقيقة النفس انتهى.
وقال الصدوق رضياللهعنه في رسالة العقائد اعتقادنا في النفوس أنها الأرواح التي بها الحياة وأنها الخلق الأول لقول النبي صلىاللهعليهوآله أول ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس المقدسة المطهرة فأنطقها بتوحيده ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه واعتقادنا فيها أنها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء لقول النبي صلىاللهعليهوآله ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار وأنها في الأرض غريبة وفي الأبدان مسجونة واعتقادنا فيها أنها إذا فارقت الأبدان فهي باقية منها منعمة ومنها معذبة إلى أن يردها الله عز وجل بقدرته إلى أبدانها وقال عيسى ابن مريم للحواريين بحق أقول لكم إنه لا يصعد إلى السماء إلا ما نزل منها وقال الله جل ثناؤه « وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ » (١) فما لم ترفع منها إلى الملكوت بقي هو في الهاوية وذلك لأن الجنة درجات والنار دركات وقال الله عز وجل « تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ » (٢) وقال عز وجل « إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ » (٣) وقال الله تعالى « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » (٤) وقال الله تعالى « وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ » (٥) وقال النبي صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) الأعراف : ١٧٦.
(٢) المعارج : ٤.
(٣) القمر : ٥٤ ـ ٥٥.
(٤) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.
(٥) البقرة : ١٥٤.