الثامن : قوله تعالى « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً » (١) والخطاب بقوله « ارْجِعِي » إنما يتوجه إليها حال الموت فدل هذا على أن الشيء الذي يرجع إلى الله بعد موت الجسد يكون راضيا مرضيا عند الله والذي يكون راضيا مرضيا ليس إلا الإنسان فهذا يدل على أن الإنسان بقي حيا بعد موت الجسد والحي غير الميت فالإنسان مغاير لهذا الجسد.
التاسع : قوله تعالى « حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ » (٢) أثبت كونهم مردودين إلى الله الذي هو مولاهم الحق عند كون الجسد ميتا فوجب أن يكون ذلك المردود إلى الله مغايرا لذلك الجسد الميت.
العاشر : ترى جميع فرق الدنيا من الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب الملل والنحل من اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين وسائر فرق العالم وطوائفهم يتصدقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير ويذهبون إلى زياراتهم ولو لا أنهم بعد موت الجسد بقوا أحياء لكان التصدق لهم عبثا ولكان الدعاء لهم عبثا ولكان الذهاب إلى زيارتهم عبثا فإطباق الكل على هذه الصدقة والدعاء والزيارة يدل على أن فطرتهم الأصلية السليمة شاهدة بأن الإنسان شيء غير هذا الجسد وأن ذلك الشيء لا يموت بموت هذا الجسد.
الحادي عشر : أن كثيرا من الناس يرى أباه وابنه في المنام ويقول له اذهب إلى الموضع الفلاني فإن فيه ذهبا دفنته لك وقد يراه فيوصيه بقضاء دين عنه ثم عند اليقظة إذا فتش عنه كان كما رآه في النوم من غير تفاوت ولو لا أن الإنسان باق حي بعد الموت لما كان كذلك ولما دل هذا الدليل على أن الإنسان حي بعد الموت ودل الحس على أن الجسد ميت كان الإنسان مغايرا لهذا الجسد.
الثاني عشر : أن الإنسان إذا ضاع عضو من أعضائه مثل أن تقطع يداه ورجلاه
__________________
(١) الفجر : ٢٧ ـ ٢٨.
(٢) الأنعام : ٦١ ـ ٦٢.