فيها إلى يوم المآب والكافر ينتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه ويجعل في النار فيعذب بها إلى يوم القيامة. وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى « قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي » (١) وشاهد ما ذكرناه في الكافر قوله تعالى « النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا » (٢) فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته وقد أدخل الجنة « يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ » وأخبر أن كافرا يعذب بعد موته « غُدُوًّا وَعَشِيًّا » ويوم يقوم الساعة يخلد في النار.
والضرب الآخر من يلهى عنه ويعدم نفسه عند فساد جسمه فلا يشعر بشيء حتى يبعث وهو من لم يمحض الإيمان محضا ولا الكفر محضا وقد بين الله ذلك عند قوله « إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً » (٣) فبين أن قوما عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن بعضهم أن ذلك كان عشرا ويظن بعضهم أن ذلك كان يوما وليس يجوز أن يكون ذلك من وصف من عذب إلى بعثه ونعم إلى بعثه لأن من لم يزل منعما أو معذبا لا يجهل عليه حاله فيما عومل به ولا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته وقد روي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : إنما يسأل في قبره من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا فأما ما سوى هذين فإنه يلهى عنه وقال في الرجعة إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان أو محض الكفر محضا فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب.
وقد اختلف أصحابنا فيمن ينعم ويعذب بعد موته فقال بعضهم المعذب والمنعم هو الروح التي توجه إليها الأمر والنهي والتكليف سموها جوهرا وقال آخرون بل الروح الحياة جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا وكلا الأمرين يجوزان في العقل والأظهر عندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب وهو الذي
__________________
(١) يس : ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) المؤمن : ٤٦.
(٣) طه : ١٠٤.