قول الله تعالى « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » (١) وقال فهل يكون الرزق لغير جسم وما صورة هذه الحياة فإنا مجمعون على أن الجواهر لا تتلاشى فما الفرق حينئذ في الحياة بين المؤمن والكافر فأجاب قدس الله لطيفه أن الرزق لا يكون عندنا إلا للحيوان والحيوان عندنا ليسوا بأجسام بل ذوات أخرجوا في هذه الدار إلى الأجساد وتعذر عليهم كثير من الأفعال إلا بها وصارت آلتهم في الأفعال الأجساد فإن أغنوا عنها بعد الوفاة جاز أن يرزقوا مع عدمها رزقا تحصل لهم اللذات وإن ردوا إليها كان الرزق لهم حينئذ بحسبه في الدنيا على السواء.
فأما قوله ما صورة هذه الحياة فالحياة لا صورة لها لأنها عرض من الأعراض وهي تقوم بالذات الفعال دون الأجساد التي تقوم بها حياة النمو دون الحياة التي هي شرط في العلم والقدرة ونحوهما من الأعراض.
وقوله إنا مجمعون على أن الجواهر لا تتلاشى فليس ذلك كما ظن ولو كان الأمر فيه ما توهم لامتنع أن يوجد الحياة لبعض الجواهر ويرفع عن بعض كما يوجد حياة النمو لبعض الأجساد ويرفع عن بعض على الاتفاق ولو قلنا إن الحياة بعد النقلة من هذه الدار يعم أهل الكفر والإيمان لم يفسد ذلك علينا أصلا في الدين فكانت الحياة لأهل الإيمان شرطا في وصول اللذات إليهم والحياة لأهل الكفر شرطا في وصول الآلام إليهم بالعقاب.
وقال رضياللهعنه في أجوبة المسائل التي وردت عليه من الري حين سئل عن الروح الصحيح عندنا أن الروح عبارة عن الهواء المتردد في مخارق الحي منا الذي لا يثبت كونه حيا إلا مع تردده ولهذا لا يسمى ما يتردد في مخارق الجماد روحا فالروح جسم على هذه القاعدة.
أقول : وقد روى بعض الصوفية في كتبهم عن كميل بن زياد أنه قال : سألت
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩.