لزم الظلم حيث إن المعدوم منه لا يمكن إعادته لما عرفت من امتناع إعادة المعدوم فلا يصل إليه ما يستحقه ولأنا متى استحضرنا العلوم وجدناها في ناحية صدورنا فلو كان محل علومنا شيء خارج عن شيء من أجسامنا لزم قيام صفاتنا بغيرنا ولأن الإنسان لو كان مجردا كما قيل لزم أن لا يعلم الإنسان الآخر لأنه لو علم الإنسان الآخر علم ذلك المجرد وهو ظاهر البطلان ولأنا نعلم هذا الإنسان والإنسان المطلق جزء منه فلو لم نعلم الجزء لم نعلم الكل وينعكس إلى أنا لما علمنا الكل علمنا الجزء والمجرد لا يعلم فليس بجزء ولأنا ندرك الألم بأجسامنا عند تقريبنا إلى النار مثلا ونحكم عليها به والمحكوم عليه هو الإنسان فهو معلوم والمجرد غير معلوم.
قالوا الإنسان يدرك الكليات لامتناع حصر الكل الذي لا ينحصر في الجسم المنحصر فيكون هو المجرد قلنا إن العلم ليس صورة حالة في العالم وإنما هو الوصول إلى المعلوم والنظر إليه ولا نسلم له أن العلم بالكل كلي إنما الكلي في الحقيقة هو المعلوم وإن أطلق عليه فبالمجاز لأن عروض جميع الأفراد مستحيلة على القوة العقلية وإنما يحصل لها لقيامها بالجسم بعوارض محصورة لأنها صور جزئية في نفس جزئية موصوفة بالحدوث في وقت مخصوص وإذا كانت في النفس بهذه العوارض فهي ليست كلية.
قالوا القوة العقلية تقوى من الأفعال على ما لا يتناهى والجسمية لا تقوى على ما لا يتناهى أنتج من الشكل الثاني القوة العقلية ليست جسمية قلنا لا نسلم أن القوة العقلية تقوى على فعل فضلا عن أن يقوى على ما لا يتناهى لأن تعلقها بالمعقول عندكم حصول صورة فيها وذلك انفعال لا فعل ولو سلمنا أصل قوتها منعنا عدم تناهيها لأنكم إن أردتم أنها تقوى في الوقت الواحد على ما لا يتناهى منعناه فإنا نجد في أنفسنا تعذر ذلك علينا وإن أردتم بعدم النهاية أنه ما من وقت إلا ويمكننا أن نفعل فيه فالقوة الجسمية تقوى لذلك إذ ما من آن يفرض إلا ويمكن أو يجب أن يحصل لها فيه فعل فيقوى على ما لا يتناهى فتكون القوة العاقلة جسمية.
قالوا : لو قويت الجسمية على ما لا يتناهى وكان جزؤها يقوى على ما لا يتناهى