أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم.
والأحاديث في ذلك كثيرة والقدر الذي ذكرناه كاف.
المسألة الثالثة في بيان أن الجن مخلوق من النار والدليل عليه قوله تعالى « وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ » وقال تعالى حاكيا عن إبليس أنه قال « خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ».
واعلم أن حصول الحياة في النار غير مستبعد ألا ترى أن الأطباء قالوا إن المتعلق الأول للنفس هو القلب والروح وهما في غاية السخونة وقال جالينوس إني بقرت مرة بطن قرد وأدخلت يدي في بطنه وأدخلت إصبعي في قلبه فوجدته في غاية السخونة (١) ونقول أطبق الأطباء على أن الحياة لا تحصل إلا بسبب الحرارة الغريزية وقال بعضهم الأغلب على الظن أن كرة النار تكون مملوة من الروحانيات.
المسألة الرابعة : ذكروا قولين في أنهم لم سموا بالجن.
الأول : أن لفظ الجن مأخوذ من الاستتار ومنه الجنة لاستتار أرضها بالأشجار ومنه الجنة لأنها (٢) ساترة للإنسان ومنه الجن لاستتارهم عن العيون ومنه المجنون لاستتار عقله ومنه الجنين لاستتاره في البطن ومنه قوله تعالى « اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً » (٣) أي وقاية وسترا.
واعلم أن على هذا القول يلزم أن تكون الملائكة من الجن لاستتارهم عن العيون إلا أن يقال إن هذا من باب تقييد المطلق بسبب العرف.
والقول الثاني أنهم سموا بهذا الاسم لأنهم كانوا في أول أمرهم خزان الجنة والقول الأول أقوى.
المسألة الخامسة : اعلم أن طوائف المكلفين أربعة الملائكة والإنس والجن و
__________________
(١) في المصدر : فى غاية السخونة بل تزيد.
(٢) في المصدر : لكونها.
(٣) المنافقون : ٢.