بلغ آخره تكلمت النملة بذلك وهذا غير مستبعد فإن حصول العلم والنطق لها ممكن في نفسه والله تعالى قادر على الممكنات وحكي عن قتادة أنه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضرا وهو يومئذ غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان عليهالسلام أكانت ذكرا أم أنثى فأفحم (١) فقال أبو حنيفة كانت أنثى فقيل له كيف عرفت ذلك قال من قوله تعالى : « قالَتْ نَمْلَةٌ » ولو كانت ذكرا لقال قال نملة لأن النمل مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى ورأيت في بعض الكتب المعتمدة أن تلك النملة إنما أمر رعيتها بالدخول في مساكنهم لئلا ترى النعم فتقع (٢) في كفران نعم الله تعالى عليها وفي هذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محظورة روي أن سليمان قال لها لم قلت للنمل ادخلوا مساكنكم أخفت عليها مني ظلما قالت لا ولكني خشيت أن يفتنوا بما يروا من جمالك وزينتك فيشغلهم ذلك عن طاعة الله تعالى.
قال الثعلبي وغيره إنها كانت مثل الذئب في العظم وكانت عرجاء ذات جناحين وذكر عن مقاتل أن سليمان عليهالسلام سمع كلامها من ثلاثة أميال وقال بعض أهل العلم (٣) إنها تكلمت لعشرة أنواع من البديع قولها : « يا » نادت : « أَيُّهَا » نبهت : « النَّمْلِ » سمت : « ادْخُلُوا » أمرت : « مَساكِنَكُمْ » نعتت : « لا يَحْطِمَنَّكُمْ » حذرت : « سُلَيْمانُ » خصت : « وَجُنُودُهُ » عمت : « وَهُمْ » أشارت : « لا يَشْعُرُونَ » اعتذرت والمشهور أنه النمل الصغار واختلف في اسمها فقيل كان اسمها طاغية (٤) وقيل كان اسمها خرمى قيل كان نمل الوادي كالذئاب قيل كالبخاتي
__________________
(١) في المصدر : فسألوه فافحم.
(٢) في المصدر : فى مساكنها لئلا ترى النعم التي أوتيها سليمان وجنوده فتقع.
(٣) في المصدر : وقال بعض أهل التذكير.
(٤) في المصدر : طاخية.