وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لأنها مركبة من هذه ومن هذه لتعلقهم بهذه الأبدان العنصرية أيضا ما داموا فيها وسجين أخس المراتب وأبعدها من الله سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي مخبوءة تحت عالم الملك أعني هذا العالم العنصري فإن الأرواح مسجونة فيه ولهذا ورد في الحديث المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة.
__________________
مُوَلِّيها » الآية. وقال : « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » الآية :
فأفاد أن للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجه إليها ، سائر نحوها وقال تعالى : « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ » الآية.
فأفاد أن ما ينتهى إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه طينا ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء ، وآخر السعيد الى الجنة ، وآخر الشقى الى النار ، فهما أو لهما لكون الآخر هو الأول ، وحينئذ صح أن السعداء خلقوا من طينة الجنة والاشقياء خلقوا من طينة النار.
وقال تعالى : « كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ... كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » الآيات وهي تشعر بأن عليين وسجين هما ما ينتهى إليه أمر الابرار والفجار من النعمة والعذاب فافهم.
واما البحث الثاني وهو ان اخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميين للإنسان ، ومعه لا يكون أحدهما اختياريا كسبيا للإنسان وهو الجبر الباطل.
فالجواب عنه أن اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الاشكال الى سبق قضاء السعادة الشقاء في حق الإنسان قبل أن يخلق ، وأن ذلك يستلزم الجبر ، والجواب أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، فهو فعل اختيارى في عين أنه حتمى الوقوع ، ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره حتى يلزم منه بطلان الاختيار.