« وأعظم خلاف بين الأمَّة خلاف الإمامة ، إذ ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان .. » (١).
وقد رأينا أن تلك الخطة الملعونة التي أسلفنا الإشارة إليها ، إنما كانت تستهدف بالدرجة الأولى قضية الإمامة بالذات ، الأمر الذي يعني : أن الخصوم قد أدركوا مدى خطورة هذه القضية ، على مجمل خطهم ، على المدى البعيد ..
كما أننا نجد في المقابل : أن تواجد أئمة أهل البيت عليهمالسلام على الساحة ، ورصدهم الأحداث بدقة ووعي ، وإحساسهم العميق بالمسؤولية الإلهية والإنسانية الملقاة على عواتقهم تجاه هذه السياسة ، التي رأوا فيها خطراً داهماً ، يتهدد كيان الإسلام ومصيره على المدى البعيد .. إن كل ذلك لم يترك لهم أي خيار ، سوى خخيار المواجهة لهذه السياسة ، والعمل على إفشالها ، فإن ذلك واجب شرعي ، ومسؤولية إلهية ، لا يمكن التساهل ولا التواني فيها على الإطلاق : إذ على حد تعبير العبد الصالح حجر بن عدي الكندي : « إن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل علي بن أبي طالب » (٢).
نعم .. وقد أدوا عليهم الصلاة والسلام ، وشيعتهم الأبرار وضوان الله تعالى عليهم واجباتهم على أكمل وجه في هذا المجال ، وفي كل مجال .. وبذلوا جهوداً جبارة ، وتعرضوا لمختلف أنواع القهر ، والاضطهاد والبلاء ، نتيجة لمواقفهم ومواجهاتهم تلك .. وبذلوا مهجهم الغالية في هذا السبيل ..
وذلك لأن قضية الإمامة بنظرهم هي قضية الإسلام الكبرى ، وعلى أساس الاعتقاد بها يتحدد اتجاه الإنسان ، وخطه الفكري ، ثم السياسي ، بل وحتى الاجتماعي في الحياة. فهي المنطلق والأساس لكل المفاهيم ، والاعتقادات ، والقضايا التي يؤمن بها ، والمواقف التي يتخذها ، والمصير الذي ينتهي إليه ـ.
وعلى هذا الأساس ، فإننا نجد الأئمة عليهمالسلام على استعداد للاستفادة
__________________
١ ـ الملل والنحل ج ١ ص ٢٤.
٢ ـ البداية والنهاية ج ٨ ص ٥١.