أما هذه الفتوحات العظيمة التي تم إنجازها على عهد الخلفاء الثلاثة بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم في عهد الأمويين ، فلم يكن يصحبها تربية ولا تعليم ، ولا كان ثمة كوادر كافية للقيام بمهمة كهذه ، بالنسبة لهذه الرقعة الواسعة ، وهذا المد البشري الهائل ، ولا كان يهم الخلفاء والفاتحين ذلك من قريب ، ولا من بعيد.
وإنما كانوا يكتفون من المستسلمين بالتلفظ بالشهادتين ، ثم بممارسة بعض الحركات والشعائر ، ظاهراً ، من دون أن يكون لها أي عمق عقيدي ، أو رصيد ضميري أو وجداني ذي بال .. ولذلك نجد في كتب التاريخ : أن كثيراً من البلدان تفتح ، ثم تعود إلى الكفر والعصيان ، ثم تفتح مرة أخرى (١).
فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يريد من الناس الإسلام والإيمان معاً .. « قَالَتِ الأَعْرَابُ : آمَنّا. قُلْ : لَمْ تُؤْمِنوا ، وَلِكن قُولُوا: أَسْلَمنا ، وَلَمّا يدخُلِ الإيمَانُ في قُلوبِكُمْ » (٢).
أما الآخرون ، فكانوا يكتفون منهم بظاهر الأسلام ، ولا يهمهم ما بعد ذلك.
ونجد عدم الاهتمام هذا واضحاً جلياً لدى القرشيين (٣) ، وحتى الكثيرين من صحابة رسول الله صلى عليه وآله وسلم منهم .. حتى لقد قال موسى بن
__________________
=
المناطق البعيدة ، وكان بعد مضي جيل أو جيلين أو أكثر لم يكن نتيجة لجهود الهيئة الحاكمة ، بل هو نتيجة جهود أفراد مخصوصين دفعهم شعورهم بالمسؤولية ، ولا سيما أمير المؤمنين عليهالسلام طيلة أيام حكمه ، ثم جهود سائر الأئمة ، والصحابة المخلصين.
١ ـ راجع على سبيل المثال : تاريخ ابن خلدون ج ٢ قسم ٢ ص ١٣١ و ١٣٢ و ١٣٣ والبداية والنهاية ج ٧ ص ١٥٢ و ١٥٥ و ١٦٥ و ١٢١ وليراجع : الفتوح لإبن اعثم الترجمة الفارسية ص ٨٥ والكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٤٦٥ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٥ والفتوحات الإسلامية لدحلان ج ١ فإن فيه الكثير من الموارد وراجع المختصر في أخبار البشر ج ١ ص ١٨٦.
٢ ـ سورة الحجرات آية : ١٤.
٣ ـ لذلك شواهد كثيرة في النصوص التاريخية ، لا مجال لإيرادها الآن ..