عثمان ، هو :
أن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وإن كان لا يرى خلافة عثمان شرعية من الأساس ، وكان كذلك على اطلاع تام على جميع المخالفات والتجاوزات ، التي كانت تصدر من الهيئة الحاكمة باستمرار. ويرى رأي العين : أن فسادها قد استشرى ، وتفاقم خطره ، حتى لم يعد من السهل تحمله ، أو الإغضاء عنه ..
إنه .. وإن كان يرى ذلك ـ إلا أنه لم يكن يرى : أن علاج الأمر بهذا الأسلوب الانعالي العنيف هو الطريقة المثلى والفضلى .. وقد نقل عنه عليهالسلام قوله عن عثمان : إنه استأثر فأساء الأثرة ، وجزعوا فأساؤوا الجزع (١).
وما ذلك .. إلا أن هذا الأسلوب بالذات ، وقتل عثمان في تلك الظروف ، وعلى النحو الذي كان ، لم يكن بالذي يخدم القضية ، قضية الإسلام ، بل كان من شأنه أن يلحق بها ضرراً فادحاً ، وجسيماً .. إذ أنه سوف يعطي الفرصة لأولئك المترصدين من أصحاب المطامع والأهواء لركوب الموجة ، واستغلال جهل الناس ، وضعفهم ، وظروف حياتهم ، بملاحظة ما تركت عليهم السياسية من آثار في مفاهيمهم ، وفي عقليتهم ، ونظرتهم ، وفي عقائدهم ، وغير ذلك .. ـ لسوف يعطي هؤلاء الفرصة ، لاستغلال كهذا. ورفع شعار الأخذ بثارات عثمان ، واتخاذ ذلك ذريعة للوقوف في وجه الشرعية المتمثلة بأمير المؤمنين عليهالسلام ، وإلقاء الشبهات والتشكيكات حول علي ، وأصحاب علي عليهالسلام .. الأمر .. الذي نشأ عنه حروب الجمل ، وصفين ، والنهروان ، على النحو الذي سجله التاريخ ..
وقد كان أمير المؤمنين عليهالسلام مدركاً ذلك كله ، ومطلعاً عليه بصورة تامة ، حتى انه حينما جاءه اليمنيون لتهنئته بالخلافة ، قال لهم : « إنكم صناديد اليمن وساداتها ، فليت شعري ، إن دهمنا أمر من الأمور كيف صبركم على ضرب الطلا ، وطعن الكلا » (٢) .. الأمر الذي يعني : أنه كان يتوقع منذئذٍ حروباً ، لا بد
__________________
١ ـ نهج البلاغة ج ١ ص ٧٢ بشرح عبده ، الخطبة رقم ٢٩.
٢ ـ الفتوح لابن أعثم ج ٢ ص ٢٥٥.