واعلم أن الظاهر من أخبار التواري تواري المسافر عن البيوت أي أهلها ، لا تواري البيوت عنه وهو أقرب إلى خفاء الاذان ، ولايبعد العمل وبه حينئذ هل يكفي التواري بالحائل بحيث لاتضر الرؤية بعده أم لا؟. وجهان ولعل العمل باعتبار الاذان أضبط وأولى ، وأما خفاء الجدران ، فان اعتبر خفاء شبحها فلا تحصل في فراسخ ، ولذا اعتبروا خفاء صورتها ، وعدم تميز خصوصياتها ، لتقارب العلامة الاخرى.
وذكر الشهيدان أن البلد لو كان في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديرا ، ويحتمل الاكتفاء بالتواري في المنخفضة كيف كان ، لاطلاق الخبر.
وقالوا لاعبرة بأعلام البلد كالمنارة والقلاع ، ولاعبرة بسماع الاذان المفرط في العلو كما أنه لاعبرة بخفاء الاذان المفرط في الانخفاض ، فتكون الرواية مبنية على الغالب.
وقالوا : المراد جدران آخر البلد الصغير والقرية ، وإلا فالمحلة ، وكذا أذان مسجد البلد والمحلة ، ويحتمل البيت ونهاية البلد ، وظاهر بعض الروايات خفاء جميع بيوت البلد وأذانه ، ويحتمل البيوت المتقاربة من بيته ، وكذا أذانها.
ويدل على مذهب المرتضى وابن الجنيد في العود صحيحة العيص بن القاسم (١) عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : لايزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته ، وفي موثقة إسحاق بن عمار (٢) حتى يدخل أهله ، وحملوهما على أن المراد الوصول إلى موضع يسمع فيه الاذان ، ويشاهد الجدران ، وهو بعيد جدا.
ويمكن القول بالتخيير بعد الوصول إلى سماع الاذان بين القصر والاتمام جمعا بين الاخبار ، كما اختاره بعض المحققين من المتأخرين ، وربما يحمل أخبار عدم اشتراط حد الترخص في الذهاب والعود على التقية إذ عامة فقهائهم على عدم
____________________
من قصده الدخول إلى تلك الدار أو الضيعة أو النخلة ، بل كان قصده السير إلى ما وراءها وانما وصل اليها لاتحاد الطريق ، فله أن ينزل خارج الدار والضيعة ويقصر صلاته.
(١ و ٢) التهذيب ج ١ ص ٣١٧.