( يعني أهل الفقه والدين وأهل طاعة الله الذي يعلّمون الناس معالي دينهم ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فأوجب الله طاعتهم ) (١).
فهو بهذا التفسير الواضح الصريح في قصر ولاية أولي الأمر على أولي الفقه والدين ينفيها كناية عمّن يتولى السلطة يومئذٍ من أمراء الشام وابن الزبير ، إذ ليس فيهم من جمع بعض تلك الصفات المحمودة فضلاً عن كلّها. فصارت الكناية لديه سبيلاً آمناً للتخلص من شرور الحاكمين ، كما أنّها كانت وسيلة اتخذها بعض الصحابة لتمرير رواياتهم ، وإن أسيء فهمها.
ونحن إذا محّصنا روايات الصحابة الآخرين ، فنجدهم قد يكنّون من غير تدليس ، ويعلنون بلا تلبيس ، فنرى أنس بن مالك ـ خادم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ربمّا سئل إذا حَدّث ، فيقال له : ( أنتَ سمعتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيغضب ثم يقول : ما كُلُ ما نحدّثكم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان بعضنا يكذب على بعض ) (٢) ، وهذا اعتراف خطير! وأخطر منه ما قاله البراء بن عازب ، فهو يقسم على أن ليس كلّ ما حدّثوا به سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول : ( والله ما كُل ما نحدّثكم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن سمعنا وحُدثنا ، ولم نكن نكذب ) (٣).
____________________
(١) مستدرك الحاكم ١ / ١٢٣.
(٢) الكامل لابن عدي ١ / ١٥٧.
(٣) نفس المصدر.