فهو في حاله هذه كحال إمامه عليه السلام في أيام عمر ، إذ لم يخالفه في الفتيا خوفاً من انتشار الكلمة ووقوع الفساد ، وذلك هو الذي توجبه الحكمة في تدبير الدين واستصلاح الأنام ، فلمّا أفضى الأمر إلى الإمام زال ما كان يخافه فيما سلف من إظهار الخلاف فحكم بما لم يزل يعتقده ، كما أرتآه الشريف المرتضى ومن قبله شيخه المفيد في حال الإمام عليّ عليه السلام أيام الخالفين قبله (١).
وآخر دعوانا في دفع وجه التنافي بين الفتاوى المنقولة عن ابن عباس عليه السلام ، فما كان منها موافقاً لفقه السلطة ، وكان صحيح السند ، فيحمل على التقية ، لأنّه كان يعيش في عصر أميتت فيه كثير من الأحكام وابتدعت فيه أحكام ما أنزل الله بها من سلطان ، وفرضت على الناس بالقوة.
فكان ابن عباس رضي الله عنه بقوله : ( عليكم بالاستفاضة والأثر ، وإياكم والبدع ) (٢).
وهو القائل : ( ما أتى على الناس عام إلاّ أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنّة ، حتى تحيى البدع وتموت السنن ) (٣).
وأحسبه إنّما قال ذلك ردّاً على ما أشاعت السلطة من حديث العرياض بن سارية مرفوعاً : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
____________________
(١) أنظر الفصول المختارة من العيون والمحاسن / ٢١٤ سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد رحمه الله.
(٢) الاعتصام للشاطبي ١ / ٨١.
(٣) مجمع الزوائد ١ / ١٨٨ ، وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وذكره السيوطي في مفتاح الجنة ١ / ٥٨ نقلاً عن البخاري في تاريخه والطبراني ، ورواه الديلمي في الفردوس ، والشاطبي في الاعتصام ١ / ٢٢ ـ ٩٤ ط المنار بمصر١٣٣١ هـ.