عرض المشكلة بأبعادها
لقد أثارت كثرة المرويات عن ابن عباس رضي الله عنه المرفوعة والموقوفة ، تساؤلات كثيرة ، فأحدثت مشكلة دفعت بالكثير من الباحثين قدامى ومحدثين ، إلى التشكيك بصحة ذلك الكمّ الهائل ، خصوصاً في الأحاديث المرفوعة ، نظراً لقصر المدّة التي تشرّف فيها بصحبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لقلّة سنيّ عمره عند وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّ التحقيق في ذلك مراراً ، وأنّها نحو من ثلاث سنين ، ولو قسمت أعداد تلك المرفوعات بأعلى رقم ذكروه على أيام صحبته ما كانت نشازاً ولا تثير غرابة ، إذ يكون حاصل القسمة على أكثر تقدير لكلّ يوم ثلاثة أحاديث ، وهذا لا يستدعي إثارة تساؤل ، بعد ملاحظة موقع ابن عباس رضي الله عنه من السدّة النبوية الشريفة نسباً وحسباً وسبباً ، فهو ابن عم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في نسبه ، وهو ابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث في قربه ، فهو يدخل عليها ويبيت عندها ويسمع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بيتها ، وحتى في بيت غيرها من أمهات المؤمنين ، فقد روى عبد الرزاق في المصنف بسنده قال ابن عباس : ( صلّيت إلى جنب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة خلفنا ، تصلي معنا ، وأنا إلى جانب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نصلي معه ) (١).
إذن فهو في حسبه وسببه قمين بأن يحظى بكثرة الرواية ، إلى غير ذلك من عوامل نذكرها في حلّ هذه المشكلة التي بلبلت الكثير بين
____________________
(١) المصنف ٢ / ٤٠٧.