إفراط وتفريط ، ففرّط بعضهم في القلّة لحدّ غير المعقول فضلاً عن أن يكون من المقبول.
لقد حكى الآمدي في كتاب ( الإحكام في أصول الأحكام ) في إستدلاله على مختاره في قبول مراسيل العدل مطلقاً ، قال : ( ودليله الإجماع والمعقول ، أمّا الإجماع فهو أنّ الصحابة والتابعين أجمعوا على قبول المراسيل من العدل ، أمّا الصحابة فإنّهم قبلوا أخبار عبد الله بن عباس مع كثرة روايته ، وقد قيل : إنّه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوى أربعة أحاديث لصغر سنه ، ولمّا روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنّما الربا في النسيئة ) ، و ( أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل يلبّي حتى رمي جمرة العقبة ) ، قال في الخبر الأوّل لمّا روجع فيه : أخبرني أسامة بن زيد ، وقال في الخبر الثاني : أخبرني به أخي الفضل بن عباس ) (١).
أقول : لقد مرّ بنا في الحلقة الأولى عند ذكر أحاديثه عن حجة الوداع ، وأنّه كان في جملة من بعث بهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ضعفة أهله ليلاً من المزدلفة ، وقد مرَّ عنه روايته عن أخيه الفضل مصرّحاً بذلك عن فعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند إفاضته من المشعر الحرام حتى أتى جمرة العقبة ، وبروايته هذه أتم ابن عباس رواياته في مناسك الحج التي رواها عن مشاهدة وسماع ، فراجع.
ومن الغريب أن ينكر الآمدي ذلك ، ولم يذكر مَن هم الذين راجعوا ابن عباس في الخبرين المشار إليهما آنفا؟ ومتى كانت تلك المراجعة؟
____________________
(١) الإحكام في أصول الأحكام ٢ / ١٧٨ ـ ١٧٩.