وفي لفظ مجاهد : ( قال : جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدّث ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه ، فقال : يا بن عباس ما لي أراك لا تسمع لحديثي ، أحدّثك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تسمع؟ فقال ابن عباس : إنّا كنّا مرّة إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف ) (١).
فابن عباس رضي الله عنه في إمتناعه سماع بشير ، هو تجريح لناس من الصحابة من طرف خفي كانوا يكذبون في أحاديثهم.
وفي لفظ رواه الحاكم في ( المستدرك ) : ( كنّا نحفظ الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ركبتم الصعب والذلول ) (٢).
وأحسب أنّ ابن عباس رضي الله عنه إنّما قد حدّ من نشاطه أيام الضغط الأموي الجائر من معاوية وأشياعه ، وقد مرّ في الجزء الخامس من الحلقة الأولى نماذج من مواقفه ، ولا يبعد أن الضغط بلغ مداه أيام ابن الزبير الذي ضايقه وشهّر به ، وردّ عليه ابن عباس قدر مستطاعه ، فأحسبه صار يستعمل الكناية في التعريض به وبغيره من أمراء الجور ـ إذ ربّ كناية أبلغ من التصريح ـ فصار يتخذ التعريض من خلال تفسيره لقوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (٣) ، فيقول :
____________________
(١) نفس المصدر.
(٢) مستدرك الحاكم ١ / ١١٣.
(٣) النساء / ٥٩.