ليس من شك في فقاهة ابن عباس رضي الله عنه بل لقد عدّه غير واحد من أفقه معاصريه ، ومهما شككنا في صحة أفعل التفضيل في هذا الزعم ، فلا نشك في أنّه كان فقيهاً بارعاً مبرزاً بين فقهاء الصحابة ، وقد بذّ الكثير منهم بفقاهته ، وقد رجع إليه بعض رموزهم ، وعُرف بالفتيا منذ عهد عمر إلى من بعده.
وقد رأى بعضهم أن ظهوره بين أهل الفقه في سنّ مبكرة يرجع إلى أثر الدعاء النبوي الشريف حيث دعا له بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهمَّ فَقّهه في الدين وعلّمه التأويل ) وقد مرّ الكلام في هذا (١).
ولا شك أنّ دعاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مستجاب فهو لا ترد له دعوة ، وقد كان ذلك معلوماً لدى الصحابة ، فكان عمر حين يدعو ابن عباس ويأخذ برأيه يذكر أنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا له بذلك. وعلى ضوء أثر الدعاء كان عمر أيضاً يقول في ابن عباس ( والله إنّك لأصبح فتيانا وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، وأفقههم في كتاب الله ) (٢).
أمّا ما ورد من شهادات الآخرين من صحابة وتابعين بهذا الصدد فكثيرة ، نختار منها ما يوقفنا على مبلغ علمه في فقهه.
ـ قال ميمون بن مهران : ( ما رأيت أحداً قط أفقه من ابن عباس ) (٣).
____________________
(١) أنظر موسوعة ابن عباس الحلقة الأولى ج١ ، في الكلام عن نشأته.
(٢) صفة الصفوة ١ / ٤٧٨.
(٣) تهذيب الأثار للطبري ١ / ١٧٦.