إليكم سَوقاً ، ولكني بلغني أنّكم تقولون : عليَّ يكذب! قاتلكم الله فعلى من الكذب؟ أعلى الله؟ فأنا أوّل من آمن به ، أم على نبيه؟ فأنا أوّل من صدّقه ) (١).
ولقد تفشى الكذب عليه حتى تعدى الرواية الشفهية إلى المدونات عنه ، فأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابن أبي مليكة ، قال : ( كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ويخفي عني ، فقال : ولد ناصح ، أن أختار له الأمور اختياراً وأخفي عنه ، قال : فدعا بقضاء عليّ فجعل يكتب منه أشياء ويمرّ به الشيء فيقول : والله ما قضى بهذا عليّ إلاّ أن يكون ضلّ ) (٢).
وروى أيضاً بسنده عن سفيان بن عيينة ، عن هشام بن حجير ، عن طاووس ، قال : ( أتي ابن عباس بكتاب فيه قضاء عليّ رضي الله عنه فمحاه الإقدر ـ وأشار سفيان بن عيينة بذراعه ـ. ) (٣).
وأمّا الكذب على ابن عباس رضي الله عنه ، فحسب الباحث معرفة ذلك من كثرة تنافي الروايات عنه ، والتناقض بين الفتاوى المنسوبة إليه ، إذ لا يعقل أن تكون جميعها صحيحة النسبة قد صدرت منه ، اللهمَّ إلاّ أن يكون هو غير ابن عباس الذي عرفناه وقرأناه حبر الأمة وترجمان القرآن ، وأفقه الصحابة بعد إمامه ومعلّمه. ولا شك عندي في أنّها ـ لمخالفتها للكتاب وللسنة الثابتة ـ هي مكذوبة عليه ، وليس هذا مني تخرصاً بالباطل ، أو غلواً في الدفاع عنه.
ولنقرأ ما أخرجه الشيخ الطوسي في ( تهذيب الأحكام ) ، وفي كتاب ( الخلاف )
____________________
(١) شرح نهج البلاغة محمد عبده ١ / ١١٥.
(٢) صحيح مسلم ١ / ١٠ ، ط صبيح.
(٣) نفس المصدر.