فمن تلك الأساليب المشبوهة ، تعمّد حذف بعض النصوص في بعض الأحاديث ذات الأعداد المعينة إمعاناً في التضليل! نحو ما مرّ في حديث الكتف والدواة في الجزء الأوّل من الحلقة الأولى.
حيث جاء في آخر الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه : ( فأوصى ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به ، ونسيت الثالثة ... )! وهذا التناسي المتعمد أربك شراح الصحاح التي ذكرت الحديث كما تقدّم ذكره في محله.
وإلحاقاً بما مرّ نقرأ ما قاله الحافظ ابن حجر في ( هدى الساري ) ، في تبيين المبهات في أحاديث البخاري ، قال : ( حديث ابن عباس : فأوصى عند موته بثلاث فذكر اثنين ونسيت الثالثة :
القائل : ونسيت الثالثة هو ابن عيينة ، بيّنه الإسماعيلي في روايته هنا ، وقد بيّنه البخاري في الجزية ، وفي مسند الحميدي أنّه سليمان شيخ ابن عيينة ، والثالثة وقع في صحيح ابن حبّان ما يشير إلى أنّها الوصية بالأرحام ... ) (١) ، وإلى هنا أنتهى ما قاله ابن حجر.
أرايتم كيف زاغ وراغ عن ذكر الحقيقة المغيبة؟! إنّما هي آية المودّة : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) ، والتي قال عنها ابن عمر : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أخلفوني في أهل
____________________
(١) هدى الساري ٢ / ٤٩.
(٢) الشورى / ٢٣.